فلحق بكرمان واتصل بعد ذلك بمعزّ الدولة ابن بويه واستكتبه. ولما انصرف طاهر عن ياقوت كتب إلى البريدي يشكو ضعفه واستطالة أصحابه، فأشار عليه بإرسالهم إلى الأهواز متعرّفين لقومهم. فلما وصلوا إليه انتقى خيارهم وردّ الباقين، وأحسن إلى من عنده وبعث ياقوت إليه في طلب المعزّ فلم يبعث إليه، فجاءه بنفسه فتلقّاه وترجّل إليه وقبّل يده، وأنزله بداره وقام في خدمته أحسن مقام، ووضع الجند على الباب يشغبون ويرومون قتله، فأشار إليه بالنجاة، فعاد إلى عسكر مكرم فكتب إليه يحذّره اتباعهم، وأنّ عسكر مكرم على ثمانية فراسخ من الأهواز، وأرى أن تتأخّر بتستر فتتحصّن بها. وكتب له على عامل تستر بخمسين ألف دينار، وعذله خادمه مؤنس في شأن ابن البريدي وأراه خديعته وأشار عليه باللحاق ببغداد، وأنّه شيخ الحجريّة، وقد كاتبوك فسر إلى رياسة بغداد وإلّا فتعاجل إلى البريدي وتخريجه عن الأهواز، فصمّ عن نصيحته وأبى من قبول السعاية فيه، وتسايل أصحابه إلى ابن البريدي حتى لم يبق معه إلّا نحو الثمانمائة. وجاءه ابنه المظفّر ناجيا من حبس الراضي بعد أسبوع، فأطلقه وبعثه إلى أبيه فأشار عليه بالمسير إلى بغداد، فإن حصل على ما يريد وإلّا فإلى الموصل وديار ربيعة ويتملكها، فأبى عليه أبوه ففارقه إلى ابن البريدي فأكرمه ووكّل به. ثم حذر ابن البريدي غائلة ياقوت فبعث إليه بأن الخليفة أمره بإزعاجه [١] من البلاد اما إلى بغداد وإما إلى بلاد الجبل ليولّيه بعض أعمالها، فكتب يستمهله فأبى من المهلة وبعث العساكر من الأهواز. وسار ياقوت إلى عسكر مكرم ليكبس ابن البريدي هنالك فصبح البلد ولم يجده، وجاءت عساكر ابن البريدي مع قائد أبي جعفر الجمّال، فقاتله من أمامه وأكمن آخرين من خلفه فانهزم وافترق أصحابه، وحسا إلى حائط متنكرا فمرّ به قوم ابن البريدي فكشفوا وجهه وعرفوه فقتلوه وحملوا رأسه إلى العسكر، فدفنه الجمّال وبعث البريدي إلى تستر فحمل ما كان لياقوت هنالك، وقبض على ابنه المظفّر وبعثه إلى بغداد واستبدّ بتلك الأعمال وذلك سنة أربع وعشرين.