عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم. ثم أمره بمصادرة أبي المعمّر بن الحسين البساسيري فاعتقله في داره، وجاء الأتراك لمنعه فضربوا الوزير ومزّقوا ثيابه وأدموه. وركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة وأخذ من البساسيري ألف دينار وأطلقه، واختفى الوزير.
ثم شغب الجند ثانيا في رمضان وأنكروا تقديم الوزير أبي القاسم من غير علمهم وأنه يريد التعرّض لأموالهم فوثبوا به ونهبوا داره وأخرجوه إلى مسجد هنالك فوكّلوا به فوثب العامّة مع بعض القوّاد من أصحابه فأطلقوه وأعادوه إلى داره. وذهب هو في الليل إلى الكرخ بحرمة ووزيره أبو القاسم معه. واختلف الجند في أمره وأرسلوا إليه بأن يملّكوا بعض أولاده الأصاغر، وينحدر هو إلى واسط، وهو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرّق جماعتهم، وجاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره، واستخلف البساسيري في جماعة للجانب الغربي سنة خمس وعشرين لاشتداد أمر العيّارين ببغداد، وكثرة الهرج وكفايته هو ونهضته [١] . ثم عاد أمر الخلافة والسلطنة إلى أن اضمحل وتلاشى، وخرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم أكراد وأخذوا دوابهم وجاءوا إلى بستان القائم فتعلّلوا على عمّاله بأنهم لم يدفعوا عنهم، ونهبوا ثمرة البستان، وعجز جلال الدولة عن عتاب الأكراد وعقاب الجند، وسخط القائم أمره وتقدّم إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل المراتب الدينية، فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان الخلافة فحملوا وأطلقوا، وعظم أمر العيّارين وصاروا في حماية الجند وانتشر العرب في النواحي فنهبوها وأفسدوا السابلة. وبلغوا جامع المنصور من البلد، وسلبوا النساء في المقبرة.
ولحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بابي الشوك مفارقا للوزارة، ووزر بعده أبا القاسم فكثرت مطالبات الجند عليه فهرب وأخذه الجند وجاءوا به الى دار الملك حاسرا عاريا إلّا من قميص خلق، وذلك لشهرين من وزارته، وعاد سعيد بن عبد الرحيم إلى الوزارة. ثم ثار الجند سنة سبع وعشرين بجلال الدولة وأخرجوه من بغداد بعد ان استمهلهم ثلاثا فأبوا ورموه بالحجارة فأصابوه، ومضى الى دار المرتضى بالكرخ. وسار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت، ونهب الأتراك داره، وقلعوا أبوابها، ثم أصلح القائم شأنه مع الجند، وأعاده وقبض على وزيره أبي سعيد
[١] هكذا بالأصل والعبارة غير واضحة وغير مفهومة وفي الكامل لابن الأثير ج ٩ ص ٤٣٧: «وفيها استخلف البساسيري في حماية الجانب الغربي ببغداد لأن العيارين اشتد أمرهم وعظم فسادهم، وعجز عنهم نواب السلطان، فاستعملوا البساسيري لكفايته ونهضته.»