وهرب أهل الحريم الخلافي فاستدعى القائم العميد الكندي للمدافعة عن دار الخلافة فلم يرعهم إلّا اقتحام العدوّ عليهم من الباب النوبي، فركب الخليفة ولبس السواد، والنهب قد وصل باب الفردوس، والعميد الكندي قد استأمن الى قريش فرجع ونادى بقريش من السور فاستأمن إليه على لسان رئيس الرؤساء، واستأمن هو أيضا معه، وخرجا إليه وسارا معه ونكر البساسيري على قريش نقضه لما تعاهدا عليه، فقال: إنما تعاهدنا على الشركة فيما يستولي عليه، وهذا رئيس الرؤساء لك والخليفة لي.
ولما حضر رئيس الرؤساء عند البساسيري وبّخه وسأله العفو فأبى منه، وحمل قريش القائم الى معسكره على هيئته، ووضع خاتون بنت أخي السلطان طغرلبك في يد بعض الثقات من خواصّه وأمره بخدمتها، وبعث القائم ابن عمّه مهارش فسار به إلى بلده حديثة خان وأنزله بها. وأقام البساسيري ببغداد وصلّى عيد النحر بالألوية المصريّة وأحسن إلى الناس وأجرى أرزاق الفقهاء ولم يتعصّب المذهب. وأنزل أمّ القائم بدارها وسهّل جرايتها، وولى محمود بن الأفرم على الكوفة، وسعى الفرات وأخرج رئيس الرؤساء من محبسه آخر ذي الحجة فصلبه عند التجيبيّ لخمسين سنة من تردّده في الوزارة. وكان ابن ماكولا قد قبل شهادته سنة أربع عشرة، وبعث البساسيري الى المستنصر العلويّ بالفتح والخطبة له بالعراق، وكان هنالك أبو الغرج ابن أخي أبي القائم المغربي، فاستهان بفعله وخوّفه عاقبته، وأبطأت أجوبته مدّة، ثم جاءت بغير ما أمل، وسار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها، وأراد قصر الأهواز فبعث صاحبها هزارشب بن شكر فأصلح أمره على مال يحمله. ورجع البساسيري إلى واسط في شعبان سنة إحدى وخمسين، وفارقه صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي إلى هزارشب، وقد كان ولّى بغداد أباه على ما يذكر. ثم جاء الخبر إلى البساسيري بظفر طغرلبك بأخيه، وبعث إليه والي قريش في إعادة الخليفة إلى داره، ويقيم طغرلبك، وتكون الخطبة والسكّة له فأبى البساسيري من ذلك، فسار طغرلبك إلى العراق، وانتهى إلى قصر شيرين، وأجفل الناس بين يديه. ورحل أهل الكرخ بأهليهم وأولادهم برّا وبحرا، وكثر عيث بني شيبان في الناس، وارتحل البساسيري بأهله وولده ساوس ذي القعدة سنة إحدى وخمسين لحول كامل.
من دخوله وكثر الهرج في المدينة والنهب والإحراق. ورحل طغرلبك إلى بغداد بعد أن