للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمان إلى المستعصم، وأنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم. فخرج المستعصم ومعه الفقهاء والأعيان فقبض عليه لوقته، وقتل جميع من كان معه. ثم قتل المستعصم شدخا بالعمد ووطأ بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت، وذلك سنة ست وخمسين. وركب إلى بغداد فاستباحها واتصل العيث بها أياما وخرج النساء والصبيان وعلى رءوسهم المصاحف والألواح فداستهم العساكر وماتوا أجمعين. ويقال إنّ الّذي أحصى ذلك اليوم من القتلى ألف ألف وستمائة ألف، واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يبلغه الوصف ولا يحصره الضبط والعدّ، وألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعها في دجلة، وكانت شيئا لا يعبّر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأوّل الفتح في كتب الفرس وعلومهم.

واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها نارا فلم يوافقه أهل مملكته. ثم بعث العساكر إلى ميافارقين فحاصروها سنين، ثم جهدهم الحصار واقتحموها عنوة وقتل حاميتها جميعا وأميرهم من بني أيوب، وهو الملك ناصر الدين محمد بن شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب وبايع له صاحب الموصل، وبعث بالهدية والطاعة وولّاه على عمله ثم بعث بالعساكر إلى إربل فحاصرها وامتنعت فرحل العساكر عنها، ثم وصل إليه صاحبها ابن الموصلايا فقتله واستولى على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة كلّها، وتاخم الشام جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكر، وانقرض أمر الخلافة الإسلامية لبني العبّاس ببغداد وأعاد لها ملوك الترك رسما جديدا في خلفاء نصّبوهم هنالك من أعقاب الخلفاء الأوّلين، ولم يزل متصلا لها العهد على ما نذكر الآن. ومن العجب أنّ يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب في ذكر ملاحمه وكلامه على القرآن الّذي دلّ على ظهور الملّة الإسلامية العربية أنّ انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين والستمائة، فكان كذلك، وكانت دولة بني العبّاس من يوم بويع للسفّاح سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى أن قتل المستعصم سنة خمس وستمائة، وخمسمائة سنة وأربعا وعشرين وعدد خلفائهم ببغداد سبعة وثلاثون خليفة. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

<<  <  ج: ص:  >  >>