للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأيت في بعض تواريخ الرّشيد أنّ المحمول إلى بيت المال في أيّامه سبعة آلاف قنطار وخمسمائة قنطار في كلّ سنة فاعتبر ذلك في نسب الدّول بعضها من بعض ولا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله فتضيق حوصلتك عند ملتقط الممكنات فكثير من الخواصّ إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدّول السّالفة بادر بالإنكار وليس ذلك من الصّواب فإنّ أحوال الوجود والعمران متفاوتة ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلّها فيها ونحن إذا اعتبرنا ما ينقل لنا عن دولة بني العبّاس وبني أميّة والعبيديّين وناسبنا الصّحيح من ذلك والّذي لا شكّ فيه بالّذي نشاهده من هذه الدّول الّتي هي أقلّ بالنّسبة إليها وجدنا بينها بونا وهو لما بينها من التّفاوت في أصل قوّتها وعمران ممالكها فالآثار كلها جارية على نسبة الأصل في القوّة كما قدّمناه ولا يسعنا إنكار ذلك عنها إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشّهرة والوضوح بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدّول في قوّتها أو ضعفها وضخامتها أو صغرها واعتبر ذلك بما نقصّه عليك من هذه الحكاية المستظرفة.

وذلك أنّه ورد بالمغرب لعهد السّلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة [١] كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلّب في بلاد العراق واليمن والهند ودخل مدينة دهلي [٢] حاضرة ملك الهند وهو السّلطان محمّد شاه واتّصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه وكان له منه مكان واستعمله في خطّة القضاء بمذهب المالكيّة في عمله ثمّ انقلب إلى المغرب واتّصل بالسّلطان أبي عنان وكان يحدّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض وأكثر ما كان يحدّث عن دولة صاحب الهند ويأتي من


[١] كان ابتداء رحلة ابن بطوطة سنة ٧٢٥ وانتهاؤها سنة ٧٥٤ وهي عجيبة ومختصرها ٧ كراريس ١ هـ.
[٢] كذا في جميع النسخ وتعرف اليوم باسم دلهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>