الأندلس في عشرة رجال من بيته مشهورين بالبأس والنجدة حتى نزل على عبد الرحمن سنة إحدى وأربعين، فعقد له على إشبيليّة ولابنه عمر بن عبد الملك على مورور. وسار يوسف إليهما وخرجا إليه فلقياه وتناجز الفريقان فكانت الدبرة على يوسف، وأبعد الغرّ واغتاله بعض أصحابه بناحية طليطلة واحتزّ رأسه وتقدّم به إلى الأمير عبد الرحمن فاستقام أمره واستقر بقرطبة وبنى القصر والمسجد الجامع، أنفق ثمانين ألف دينار ومات قبل تمامه وبنى مساجد ووفد عليه جماعة من أهل بيته من المشرق، وكان يدعو للمنصور، ثم قطعها لما تمّ له الملك بالأندلس، ومهّد أمرها وخلد لبني مروان السلطان بها، وجدّد ما طمس لهم بالمشرق من معالم الخلافة وآثارها. واستلحم الثّوار في نواحيها وقطع دعوة العبّاسيين من منابرها وسدّ المذاهب منهم دونها. وهلك سنة اثنتين وسبعين ومائة، وكان يعرف بعبد الرحمن الداخل لأنّ أوّل داخل من ملوك بني مروان هو، وكان أبو جعفر المنصور يسمّيه صقر بني أميّة لما رأى ما فعل بالأندلس، وما ركب إليها من الأخطار، وأنه صمد إليها من أنأى ديار المشرق من غير عصابة ولا قوّة ولا أنصار فغلب على أهلها وعلى أميرهم، وتناول الملك من أيديهم بقوّة شكيمة وإمضاء عزم. ثم تحلّى وأطيع وأورثه عقبه. وكان عبد الرحمن هذا يلقب بالأمير وعليه جرى بنوه من بعده فلم يدع أحد منهم بأمير المؤمنين إذ بايع الخلافة بمقرّ الإسلام ومبتدأ العرب، حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو الثامن منهم على ما نذكره فتسمّى بأمير المؤمنين وتوارث ذلك بنوه واحدا بعد واحد. وكان لبني عبد الرحمن الداخل بهذه العدوة الأندلسية ملك ضخم ودولة ممتعة [١] اتصلت إلى ما بعد المائة الرابعة كما نذكر. وعند ما شغل المسلمون بعبد الرحمن وتمهيد أمره قوي أمر الخلافة، واستفحل سلطانه وتجهّز فرويلة بن الأدفونش ملكهم، سار إلى ثغور البلاد فأخرج المسلمين منها وملكها من أيديهم، وردّ مديزلك وبريعال وسمورة وسلمنقة وقشتالة وسقونية، وصارت للجلالقة حتى افتتحها المنصور ابن أبي عامر رئيس الدولة كما نذكر في أخباره. ثم استعادوها بعده من بلاد الأندلس واستولوا على جميعها. وكان عبد الرحمن عند ما تمهد له الأمر بالأندلس، ودعا للسفّاح، ثم خلعه واستبدّ بأمره كما ذكرناه. وجد هشام بن عبد ربه الفهري