هكذا نسبه ابن حيان أوّل ثائر كان بالأندلس، وهو الّذي افتتح الخلاف بها وفارق الجماعة أيام محمد بن عبد الرحمن في سني السبعين والمائتين. خرج بجبل يشتر من ناحية ريّة ومالقة، وانضم إليه الكثير من جند الأندلس ممن في قلبه مرض في الطاعة. وابتنى قلعته المعروفة به هنالك، واستولى على غرب الأندلس إلى رندة وعلى السواحل من الثجة إلى البيرة، وزحف إليه هاشم بن عبد العزيز الوزير فحاصره واستنزله إلى قرطبة سنة سبعين. ثم هرب ورجع إلى حصن يشتر، ولما توفي الأمير محمد تغلب على حصن الحامة وريّة ورندة والثجة، وغزاه المنذر سنة أربع وسبعين فافتتح جميع قلاعه وقتل عامله بريّة، ثم سأل الصلح فعقد له المنذر. ثم نكث ابن حفصون وعاد إلى الخلاف فحاصره المنذر إلى أن هلك محاصرا له فرجع عنه الأمير عبد الله، واستفحل أمر بن حفصون والثّوار وتوالت عليه الغزوات والحصار. وكاتب ابن الأغلب صاحب إفريقية وهاداه وأظهر دعوة العبّاسية بالأندلس فيما إليه وتثاقل ابن الأغلب على إجابته لاضطراب إفريقية، فأمسك وأكثر الأجلاب على قرطبة وبنى حصن بلايد قريبا منها، وغزاه عبد الله وافتتح بلاية والثجة. ثم قصده في حصنه فحاصره أياما وانصرف عنه فاتبعه ابن حفصون فكرّ عليه الأمير عبد الله وهزمه وأثخن فيه، وافتتح البيرة من أعماله. ووالى عليه الحصار في كل سنة، فلما كانت وثمانين [١] عمر بن حفصون وخالص ملك الجلالقة فنبذ إليه أمراؤه بالحصون عهده، وسار الوزير أحمد بن أبي عبيدة لحصاره في العساكر فاستنجد بإبراهيم بن حجّاج الثائر بأشبيليّة، ولقياه فهزمهما وراجع ابن حجّاج الطاعة، وعقد له الأمير عبد الله على إشبيليّة، وبعث ابن حفصون بطاعته للشيعة عند ما تغلّبوا على القيروان من يد الأغالبة، وأظهر بالأندلس، دعوة عبيد الله. ثم راجع طاعة بني أمية عند ما هيأ الله للناصر ما هيأه من استفحال الملك، واستنزال الثوار، واستقام إلى أن هلك سنة ست وثلاثمائة لسبع وثلاثين سنة من ثورته. وقام مكانه ابنه جعفر فأقرّه الناصر على أعماله. ثم دسّ إليه أخوه سليمان بن عمر بعض
[١] هكذا بياض بالأصل وفي كتاب الاحاطة في تاريخ غرناطة ص ١١٧: «وموقعه بالاي الشهيرة في تاريخ الأندلس، وهي الموقعة التي هزم فيها الأمير عبد الله صاحب الأندلس قوات الثائر ابن حفصون سنة ٢٨٧ هـ (٨٩١ م) »