وإن لم يكن نسب فثمرات النّسب موجودة فإذا كانت هذه الولاية بين القبيل وبين أوليائهم قبل حصول الملك لهم كانت عروقها أوشج وعقائدها أصحّ ونسبها أصرح لوجهين أحدهما أنّهم قبل الملك أسوة في حالهم فلا يتميّز النّسب عن الولاية إلّا عند الأقلّ منهم فيتنزّلون منهم منزلة ذوي قرابتهم وأهل أرحامهم وإذا اصطنعوهم بعد الملك كانت مرتبة الملك مميّزة للسّيد عن المولى. ولأهل القرابة عن أهل الولاية والاصطناع لما تقتضيه أحوال الرّئاسة والملك من تميّز الرّتب وتفاوتها فتتميّز حالتهم ويتنزّلون منزلة الأجانب ويكون الالتحام بينهم أضعف والتّناصر لذلك أبعد وذلك أنقص من الاصطناع قبل الملك.
الوجه الثّاني أنّ الاصطناع قبل الملك يبعد عهده عن أهل الدّولة بطول الزّمان ويخفي شأن تلك اللّحمة ويظنّ بها في الأكثر النّسب فيقوى حال العصبيّة وأمّا بعد الملك فيقرب العهد ويستوي في معرفته الأكثر فتتبيّن اللّحمة وتتميّز عن النّسب فتضعف العصبيّة بالنّسبة إلى الولاية الّتي كانت قبل الدّولة واعتبر ذلك في الدّول والرّئاسات تجده فكلّ من كان اصطناعه قبل حصول الرّئاسة والملك لمصطنعه تجده أشدّ التحاما به وأقرب قرابة إليه ويتنزّل منه منزلة أبنائه وإخوانه وذوي رحمه ومن كان اصطناعه بعد حصول الملك والرّئاسة لمصطنعه لا يكون له من القرابة واللّحمة ما للأوّلين وهذا مشاهد بالعيان حتّى إنّ الدّولة في آخر عمرها ترجع إلى استعمال الأجانب واصطناعهم ولا يبنى لهم مجد كما بناه المصطنعون قبل الدّولة لقرب العهد حينئذ بأوّليّتهم ومشارفة الدّولة على الانقراض فيكونون منحطّين في مهاوي الضّعة.
وإنّما يحمل صاحب الدّولة على اصطناعهم والعدول إليهم عن أوليائها الأقدمين وصنائعها الأوّلين ما يعتريهم في أنفسهم من العزّة على صاحب الدّولة وقلّة الخضوع له ونظره بما ينظره به قبيله وأهل نسبه لتأكّد اللّحمة منذ العصور المتطاولة بالمربى والاتّصال بآبائه وسلف قومه والانتظام مع كبراء أهل بيته