للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبسائطها فدوّخها وخرب حصونها. ثم اقتحم جلّيقة وملكها يومئذ رذمير بن أردون فخام عن اللقاء ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها، وهدم برغث وكثيرا من معاقلهم، وهزمهم مرارا ورجع. ثم كانت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه. وكان يردّد الصوائف وهابته أمم النصرانية ووفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل صاحب القسطنطينيّة وهديته وهو يومئذ قسنطين بن ليون بن شل، واحتفل الناصر للقائهم في يوم مشهود، وكتب [١] فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزيّ، وزيّن القصر الخلافيّ بأنواع الزينة وأصناف الستور، وجمّل السرير الخلافيّ بمقاعد الأبناء والإخوة والأعمام والقرابة، ورتّب الوزراء والخدمة في مواقفهم، ودخل الرسل فهالهم ما رأوا وقربوا حتى أدّوا رسالتهم. وأمر يومئذ الأعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل، ويعظّموا أمر الإسلام والخلافة، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه، وذلّة عدوّه فاستعدّوا لذلك. ثم بهرهم هول المجلس فرجعوا وشرعوا في الغزل [٢] فارتج عليهم، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق، كان في جملة الحكم ولي العهد، وندبه لذلك استئثارا لفخره، فلمّا وجموا كلهم قام منذر بن سعيد البلوطي من غير استعداد ولا رويّة ولا تقدّم له أحد في ذلك بشيء فخطب واستخفر، وجلا في ذلك القصد، وأنشد آخره شعرا طويلا ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس، وعجب الناس من شأنه أكثر من كل ما وقع. وأعجب الناصر به وولّاه القضاء بعدها، وأصبح من رجالات العالم، وأخباره مشهورة وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حيان وغيره. ثم انصرف هؤلاء الرسل وبعث الناصر معهم هشام بن كليب الى الجاثليق ليجدّد الهدنة، ويؤكد المودّة، ويحسن الإجابة. ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء، وجاءت معه رسل قسنطين. ثم جاء رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ هوتو، وآخر من ملك اللمان، وآخر من ملك الفرنجة وراء المغرب، وهو يومئذ أفوه وآخر من ملك الفرنجة بقاصية المشرق، وهو يومئذ كلدة. واحتفل السلطان لقدومهم وبعث مع رسل الصقالبة ريفا الأسقف إلى ملكهم هوتو ورجعوا بعد سنتين. وفي سنة أربع وأربعين جاء رسول أردون بن رذمير وأبوه رذمير وهو الّذي سمل أخاه أدفونش وقد مرّ ذكره، بعث


[١] بمعنى جعلها كتائب
[٢] بمعنى المديح

<<  <  ج: ص:  >  >>