وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا جميع ما فيها. وفي سنة ثلاث وثلاثين توفي أمير صقلّيّة محمد بن عبد الله بن الأغلب، واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم. وكتب له محمد بن الأغلب بعهده على صقلّيّة، وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا، وتأتيه الغنائم. ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه، وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلّيّة، وردد البعوث والسرايا إلى قطانية وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا، وافتتح حصونا جمة، وهزم أهل قصريانة، وهي مدينة ملك صقلّيّة. وكان الملك قبله يسكن سرقوسة فلما فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة. وخبر فتحها أن العباس كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم، ويرجع بالغنائم والأسارى. فلما كان في شاتية منها أصاب منهم أسارى، وقدمهم للقتل فقال له بعضهم: وكان له قدر وهيبة استبقني وأنا أملكك قصريانة، ودلهم على عورة البلد فجاءوها ليلا، ووقفهم على باب صغير فدخلوا منه، فلما توسطوا البلد وضعوا السيف، وفتحوا الأبواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة، وأصاب فيها ما يعجز الوصف عنه، وذل الروم بصقلية من يومئذ.
وبعث ملك الروم عسكرا عظيما مع بعض بطارقته، وركبوا البحر إلى مرسى سرقوسة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم، وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم ثلاثة أو أكثر، وذلك سنة سبع وثلاثين. وافتتح بعدها كثيرا من قلاع صقلّيّة، وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة، وزحف إليهم العباس من مكانه وهزمهم، ورجع إلى قصريانة فحصنها وأنزل بها الحامية. ثم سار سنة سبع وأربعين إلى سرقوسة فغنم ورجع، واعتل في طريقه فهلك منتصف سنته. ودفن في نواحي سرقوسة، وأحرق النصارى شلوه وذلك لإحدى عشرة سنة من إمارته. واتصل الجهاد بصقلية والفتح، وأجاز المسلمون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض قلورية وانكبرده، وفتحوا فيها حصونا وسكن بها المسلمون. ولما توفي العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله وكتبوا إلى صاحب إفريقية، وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع، وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من إفريقية على صقلّيّة في منتصف ثمان وأربعين، وأخرج ابنه محمودا في سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها، وخرج إليهم الروم فقاتلهم وظفر