ونصب الرأسين قبالة طاقها في الدار. وامتلأت القلوب منه رعبا، وتلقب نصير الدولة، وتغلب ولاة الحصون على ما بأيديهم. ودس المكرم بن الصليحي بن سعيد ابن نجاح بصنعاء على لسان بعض أهل الثغور، وضمن له الظفر، فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من الحبشة. وسار إليه المكرم من صنعاء وهزمه وحال بينه وبين زبيد فهرب إلى جزيرة دهلك، ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهي جالسة بالطاق وعندها رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما. وولى على زبيد خاله أسعد سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وكتب المكرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن يغري سعيدا بالمكرم، وانتزاع ذي جبلة من يده لاشتغاله بلذاته، واستيلاء زوجه سيدة بنت أحمد عليه. وأنه بلخ فتمّت الحيلة فسار سعيد في ثلاثين ألفا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك. وانهزمت عساكره وقتل ونصب رأسه عند الطاق الّذي كان فيها رأس الصليحي بزبيد. واستولى عليها المكرم وانقطع منها ملك الحبشة. وهرب جياش ومعه وزير أخيه خلف بن أبي الظاهر المرواني، ودخلا عدن متنكرين. ثم لحقا بالهند وأقاما بها ستة أشهر، ولقيا هنالك كاهنا جاء من سمرقند فبشرهما بما يكون لهما فرجعا الى اليمن، وتقدم خلف الوزير إلى زبيد، وأشاع موت جياش واستأمن لنفسه، ولحق جياش فأقاما هنالك مختفيين، وعلى زبيد يومئذ أسعد بن شهاب خال المكرم ومعه علي بن القم وزير المكرم، وكان حنقا على المكرم ودولته، فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج. ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه فاغتبط به، وأطلعه على رأيه في الدولة، وكان يتشيع لآل نجاح. وانتمى بعض الأيام وهو يلاعب، فسمعه علي بن القم واستكشف أمره، فكشف له القناع واستحلفه، وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة، وينفق فيهم الأموال حتى اجتمع له خمسة آلاف، فثار بهم في زبيد سنة اثنتين وثمانين واربعمائة ونزل دار الإمارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقه لزمانة وكانت به.
وبقي ملكا على زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين، والمكرم يبعث العرب للغارة على زبيد كل حين إلى أن هلك جياش على رأس المائة الخامسة، وكانت كنيته ابن القطاي. وكان موصوفا بالعدل. وولي بعده ابنه الفاتك صبيا لم يحتلم، ودبروا ملكه. وجاء عمه إبراهيم لقتاله، وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد، وبعث منصور إلى الفضل بن أبي البركات صاحب التعكر فجاء لنصره