وبعث نصير الدولة بن مروان عسكرا في اتباعهم، وأمدهم قراوش صاحب الموصل بعسكر آخر، وانضم إليهم الأكراد البثنويّة أصحاب فتك فأدركوهم فاستمات الغزّ وقاتلوهم. ثم تحاجزوا، وتوجّهت العرب إلى العراق للمشتى، وأخربت الغزّ ديار بكر، ودخل قراوش الموصل ليدفعهم عنها لما بلغه أن طائفة منهم قصدوا بلده. فلما نزلوا برقعيد عزم على الإغارة عليهم، فتقدّموا إليه فرجع إلى مصانعتهم بالمال على ما شرطوه. وبينما هو يجمع لهم المال وصلوا الى الموصل فخرج قراوش في عسكره وقاتلهم عامّة يومه. وعادوا للقتال من الغد فانهزمت العرب وأهل البلد، وركب قراوش سفينة في الفرات، وخلّف جميع ماله. ودخل الغزّ البلد ونهبوا ما لا يحصى من المال والجوهر والحلي والأثاث، ونجا قراوش إلى السند، وبعث إلى الملك جلال الدولة يستنجده، وإلى دبيس بن عليّ بن مزيد وأمراء العرب والأكراد يستمدّهم، وأفحش الغزّ في أهل الموصل قتلا ونهبا وعيثا في الحرم. وصانع بعض الدروب والمحال منها عن أنفسهم بمال ضمنوه فكفّوا عنهم وسلموا. وفرضوا على أهل المدينة عشرين ألف دينار فقبضوها، ثم فرضوا أربعة آلاف أخر وشرعوا في تحصيلها فثار بهم أهل الموصل. وقتلوا من وجدوا منهم في البلد. ولما سمع إخوانهم اجتمعوا ودخلوا البلد عنوة منتصف سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ووضعوا السيف في الناس واستباحوها اثني عشر يوما، وانسدت الطرق من كثرة القتلى حتى واروهم جماعات في الحفائر. وطلبوا الخطبة للخليفة ثم لطغرلبك، وطال مقامهم بالبلد، فكتب الملك جلال الدولة بن بويه ونصير الدولة بن مروان إلى السلطان طغرلبك يشكون منهم، فكتب إلى جلال الدولة معتذرا بأنهم كانوا عبيدا وخدما لنا فأفسدوا في جهات الريّ فخافوا على أنفسهم وشردوا. ويعده بأنه يبعث العساكر إليهم، وكتب إلى نصير الدولة بن مروان يقول له: بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك فصانعتهم بالمال، وأنت صاحب ثغور ينبغي أن تعطي ما تستعين به على الجهاد، ويعده أنه يرسل من يدفعهم عن بلاده.
ثم سار دبيس بن مزيد إلى قراوش مددا، واجتمعت إليه بنو عقيل، وساروا من السنّ إلى الموصل فتأخر الغزّ إلى تل أعفر، وأرسلوا إلى أصحابهم بديار بكر ومقدمهم ناصفلي وبوقا فوصلوا إليهم وتزاحفوا مع قراوش في رمضان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة فقاتلوهم إلى الظهر، وكشفوا العرب عن حللهم. ثم استماتت العرب فانهزمت الغزّ وأخذهم السيف ونهب العرب أحياءهم، وبعثوا برءوس القتلى إلى