للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّار الآخرة فلمّا تدرّجت البداوة والغضاضة إلى نهايتها وجاءت طبيعة الملك الّتي هي مقتضى العصبيّة كما قلناه وحصل التّغلّب والقهر كان حكم ذلك الملك عندهم حكم ذلك الرّفه والاستكثار من الأموال فلم يصرفوا ذلك التّغلّب في باطل ولا خرجوا به عن مقاصد الدّيانة ومذاهب الحقّ، ولمّا وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية وهي مقتضى العصبيّة كان طريقهم فيها الحقّ والاجتهاد ولم يكونوا في محاربتهم لغرض دنيويّ أو لإيثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهّمه متوهّم وينزع إليه ملحد وإنّما اختلف اجتهادهم في الحقّ وسفّه كلّ واحد نظر صاحبه باجتهاده في الحقّ فاقتتلوا عليه وإن كان المصيب عليّا فلم يكن معاويّة قائما فيها بقصد الباطل إنّما قصد الحقّ وأخطأ والكلّ كانوا في مقاصدهم على حق ثمّ اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به ولم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه وقومه فهو أمر طبيعيّ ساقته العصبيّة بطبيعتها واستشعرته بنو أميّة ومن لم يكن على طريقة معاوية في اقتفاء الحقّ من أتباعهم فاعصوصبوا عليه واستماتوا دونه ولو حملهم معاويّة على غير تلك الطّريقة وخالفهم في الانفراد بالأمر لوقوع في افتراق الكلمة الّتي كان جمعها وتأليفها أهمّ عليه من أمر ليس وراءه كبير مخالفة وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول إذا رأى القاسم بن محمّد بن أبي بكر «لو كان لي من الأمر شيء لولّيته الخلافة» ولو أراد أن يعهد إليه لفعل ولكنّه كان يخشى من بني أميّة أهل الحلّ والعقد لما ذكرناه فلا يقدر أن يحوّل الأمر عنهم لئلّا تقع الفرقة. وهذا كلّه إنّما حمل عليه منازع الملك الّتي هي مقتضى العصبيّة فالملك إذا حصل وفرضنا أنّ الواحد انفرد به وصرفه في مذاهب الحقّ ووجوهه لم يكن في ذلك نكير عليه ولقد انفرد سليمان وأبوه داود صلوات الله عليهما بملك بني إسرائيل لما اقتضته طبيعة الملك من الانفراد به وكانوا ما علمت من النّبوة والحقّ وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفا من افتراق الكلمة بما كانت بنو أميّة لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم. فلو قد عهد إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>