للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدافعة عنه فأبى ومنع من سلّ السّيوف بين المسلمين مخافة الفرقة وحفظا للإلفة الّتي بها حفظ الكلمة ولو أدّى إلى هلاكه. وهذا عليّ أشار عليه المغيرة لأوّل ولايته باستبقاء الزّبير ومعاوية وطلحة على أعمالهم حتّى يجتمع النّاس على بيعته وتتّفق الكلمة وله بعد ذلك ما شاء من أمره وكان ذلك من سياسة الملك فأبى فرارا من الغشّ الّذي ينافيه الإسلام وغدا عليه المغيرة من الغداة فقال:

«لقد أشرت عليك بالأمس بما أشرت ثمّ عدت إلى نظري فعلمت أنّه ليس من الحقّ والنّصيحة وأنّ الحقّ فيما رأيته أنت» فقال عليّ: «لا والله بل أعلم أنّك نصحتني بالأمس وغششتني اليوم ولكن منعني ممّا أشرت به زائد الحقّ وهكذا كانت أحوالهم في إصلاح دينهم بفساد دنياهم ونحن

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع

فقد رأيت كيف صار الأمر إلى الملك وبقيت معاني الخلافة من تحرّي الدّين ومذاهبه والجري على منهاج الحقّ ولم يظهر التّغيّر إلّا في الوازع الّذي كان دينا ثمّ انقلب عصبيّة وسيفا وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك والصّدر الأوّل من خلفاء بني العبّاس إلى الرّشيد وبعض ولده ثمّ ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلّا اسمها وصار الأمر ملكا بحتا وجرت طبيعة التّغلّب إلى غايتها واستعملت في أغراضها من القهر والتّقلّب في الشّهوات والملاذّ وهكذا كان الأمر لولد عبد الملك ولمن جاء بعد الرّشيد من بني العبّاس واسم الخلافة باقيا فيهم لبقاء عصبيّة العرب والخلافة والملك في الطّورين ملتبس بعضهما ببعض ثمّ ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبيّة العرب وفناء جيلهم وتلاشي أحوالهم وبقي الأمر ملكا بحتا كما كان الشّأن في ملوك العجم بالمشرق يدينون بطاعة الخليفة تبرّكا والملك بجميع ألقابه ومناحيه لهم وليس للخليفة منه شيء وكذلك فعل ملوك زناتة بالمغرب مثل صنهاجة مع العبيديّين ومغراوة وبني يفرن أيضا مع خلفاء بني أميّة بالأندلس والعبيديّين بالقيروان فقد تبيّن أنّ الخلافة قد

<<  <  ج: ص:  >  >>