على أهل الرّتب وأمره نافذ في الكلّ إمّا نيابة أو استبدادا واستمرّ الأمر على هذا ثمّ جاءت دولة التّرك آخرا بمصر فرأوا أنّ الوزارة قد ابتذلت بترفّع أولئك عنها ودفعها لمن يقوم بها للخليفة المحجور ونظره مع ذلك متعقّب بنظر الأمير فصارت مرءوسة ناقصة فاستنكف أهل هذه الرّتبة العالية في الدّولة عن اسم الوزارة وصار صاحب الأحكام والنّظر في الجند يسمّى عندهم بالنّائب لهذا العهد وبقي اسم الحاجب في مدلوله واختصّ اسم الوزير عندهم بالنّظر في الجباية. وأمّا دولة بني أميّة بالأندلس فأنفوا اسم الوزير في مدلوله أوّل الدّولة ثمّ قسموا خطّته أصنافا وأفردوا لكلّ صنف وزيرا فجعلوا لحسبان المال وزيرا وللتّرسيل وزيرا وللنّظر في حوائج المتظلّمين وزيرا وللنّظر في أحوال أهل الثّغور وزيرا وجعل لهم بيت يجلسون فيه على فرش منضدة لهم وينفّذون أمر السّلطان هناك كلّ فيما جعل له وأفرد للتّردّد بينهم وبين الخليفة واحد منهم ارتفع عنهم بمباشرة السّلطان في كلّ وقت فارتفع مجلسه عن مجالسهم وخصوه باسم الحاجب ولم يزل الشّأن هذا إلى آخر دولتهم فارتفعت خطّة الحاجب ومرتبته على سائر الرّتب حتّى صار ملوك الطّوائف ينتحلون لقبها فأكثرهم يومئذ يسمّى الحاجب كما نذكره ثمّ جاءت دولة الشّيعة بإفريقيّة والقيروان وكان للقائمين بها رسوخ في البداوة فأغفلوا أمر هذه الخطط أوّلا وتنقيح أسمائها كما تراه في أخبار دولتهم، ولمّا جاءت دولة الموحّدين من بعد ذاك أغفلت الأمر أوّلا للبداوة ثمّ صارت إلى انتحال الأسماء والألقاب وكان اسم الوزير لمن يحجب السّلطان في مجلسه ويقف بالوفود والدّاخلين على السّلطان عند الحدود في تحيّتهم وخطابهم والآداب الّتي تلزم في الكون بين يديه ورفعوا خطّة الحجابة عنه ما شاءوا ولم يزل الشّأن ذلك إلى هذا العهد وأمّا في دولة التّرك بالمشرق فيسمّون هذا الّذي يقف بالنّاس على حدود الآداب في اللّقاء والتّحيّة في مجالس السّلطان والتّقدّم بالوفود بين يديه الدّويدار