للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما وقع اتفاقهم معه عليه وحدّث نفسه بالقبض عليه واستخدام جنده لمدافعة الإفرنج ولم يتمّ له ذلك وشعر به أسد الدين فاعترضه صلاح الدين ابن أخيه وعز الدين خرديك مولاه عند قبر الإمام الشافعيّ رضي الله تعالى عنه وقتلاه وفوّض العاضد أمور دولته إلى أسد الدين وتقاصر الإفرنج عنها ومات أسد الدين واستولى صلاح الدين بعد ذلك على البلاد وارتجع البلاد الإسلامية من يد الإفرنج كما نذكر في أخبار دولته والله أعلم [١] .


[١] ذكرت هذه الحادثة في الكامل ج ١١ ص ٣٣٥ بعنوان.
(ذكر ملك أسد الدين مصر ومقتل شاور) في هذه السنة في ربيع الأول سار أسد الدين شيركوه بن شاذي إلى مصر فملكها ومعه العساكر النورية وسبب ذلك ما ذكرناه من تمكن الفرنج من البلاد المصرية وأنهم جعلوا لهم في القاهرة شحنة وتسلموا أبوابها وجعلوا لهم فيها جماعة من شجعانهم وأعيان فرسانهم، وحكموا المسلمين حكما جائرا وركبوهم بالأذى العظيم. فلما رأوا ذلك وأن البلاد ليس فيها من يردهم أرسلوا إلى ملك الفرنج بالشام وهو (مري) ولم يكن للفرنج من ظهر بالشام مثله شجاعة ومكر أو دهاء يستدعونه ليملكها وأعلموه خلّوها من موانع وهونوا أمرها عليه فلم يجبهم فاجتمع إليه فرسان الفرنج وذو الرأي منهم فأشاروا عليه بقصدها وتملكها فقال لهم:
الرأي عندي أننا لا نقصدها ولا طمعة لنا فيها وأموالها تساق إلينا نتقوى بها على نور الدين، وان نحن قصدناها لنملكها فإن صاحبها وعساكره وعامه بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها ويحملهم الخوف منا على تسليمها إلى نور الدين، ولئن صار له فيها مثل أسد الدين فهو هلاك الفرنج وإجلاؤهم من ارض الشام فلم يقبلوا قوله، وقالوا له: إنها لا مانع فيها ولا حامي وإلى أن يتجهز عسكر نور الدين ويسير إليها نكون نحن قد ملكناها وفرغنا من أمرها، وحينئذ يتمنى نور الدين منا السلامة فسار معهم على كره وشرعوا يتجهزون ويظهرون أنهم يريدون قصد مدينة حمص. فلما سمع نور الدين شرع أيضا بجمع عساكره وأمرهم بالقدوم عليه، وجدّ الفرنج في السير إلى مصر فقدموها ونازلوا مدينة بلبيس وملكوها قهرا مستهل صفر ونهبوها وقتلوا فيها وأسروا وكان جماعة من أعيان المصريين قد كاتبوا الفرنج ووعدوهم النصرة عداوة منهم لشاور بن الخياط وابن فرجلة، فقوي جنان الفرنج وساروا من بلبيس إلى مصر فنزلوا على القاهرة عاشر صفر وحصروها فخاف الناس منهم أن يفعلوا بهم كما فعلوا بأهل بلبيس، فحملهم الخوف منهم على الامتناع فحفظوا البلد وقاتلوا دونه وبذلوا جهدهم في حفظه. فلو أن الفرنج أحسنوا السيرة في بلبيس ملكوا مصر والقاهرة، ولكن الله تعالى حسن لهم ذلك أي ما فعلوا (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) وأمر شاور بإحراق مدينة مصر تاسع صفر وأمر أهلها بالانتقال منها إلى القاهرة، وأن ينهب البلد فانتقلوا وبقوا على الطرق ونهبت المدينة وافتقر أهلها وذهبت أموالهم ونعمتهم قبل نزول الفرنج عليهم بيوم خوفا أن يملكها الفرنج فبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوما وأرسل الخليفة العاضد إلى نور الدين يستغيث به ويعرفه ضعف المسلمين عن دفع الفرنج وأرسل في الكتب شعور النساء وقال: هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهن من الفرنج فشرع في تسيير الجيوش. وأما الفرنج فإنّهم اشتدوا في حصار القاهرة وضيقوا على أهلها وشاور هو المتولي للأمر والعساكر والقتال فضاق به الأمر وضعف عن ردهم فأخلد إلى أعمال الحليلة فأرسل إلى ملك الفرنج يذكر له مودة ومحبة له قديما، وإن هواه معه لخوفه من نور الدين والعاضد، وإنما المسلمون لا يوافقونه على التسليم إليه ويشير بالصلح وأخذ مالا لئلا يتسلم البلاد نور الدين فأجابه الى ذلك على ان يعطوه ألف ألف دينار مصرية يعمل البعض ويمهل بالبعض فاستقرت القاعدة على ذلك، ورأى الفرنج أن البلاد قد امتنعت عليه وربما سلمت إلى نور الدين فأجابوا كارهين وقالوا نأخذ المال فنتقوى به وتعاود البلاد بقوة لا نبالي معها بنور الدين (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) فعجل لهم شاور مائة ألف دينار وسألهم الرحيل عنه ليجمع لهم المال فرحلوا قريبا، وجعل شاور يجمع المال من أهل القاهرة ومصر فلم يتحصل له إلا قدر لا يبلغ خمسة آلاف دينار، وسببه أن أهل مصر كانوا قد احترقت دورهم وما فيها وما سلم نهب وهم لا

<<  <  ج: ص:  >  >>