توقيعه وقد كان جعفر بن يحيى يوقّع في القصص بين يدي الرّشيد ويرمي بالقصّة إلى صاحبها فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها حتّى قيل إنّها كانت تباع كلّ قصّة منها بدينار وهكذا كان شأن الدّول، واعلم أنّ صاحب هذه الخطّة لا بدّ من أن يتخيّر أرفع طبقات النّاس وأهل المروءة والحشمة منهم وزيادة العلم وعارضة البلاغة فإنّه معرّض للنّظر في أصول العلم لما يعرض في مجالس الملوك ومقاصد أحكامهم من أمثال ذلك ما تدعو إليه عشرة الملوك من القيام على الآداب والتّخلّق بالفضائل مع ما يضطرّ إليه في التّرسيل وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها وقد تكون الرّتبة في بعض الدّول مستندة إلى أرباب السّيوف لما يقتضيه طبع الدّولة من البعد عن معاناة العلوم لأجل سذاجة العصبيّة فيختصّ السّلطان أهل عصبيّته بخطط دولته وسائر رتبه فيقلّد المال والسّيف والكتابة منهم فأمّا رتبة السّيف فتستغني عن معاناة العلم وأمّا المال والكتابة فيضطرّ إلى ذلك البلاغة في هذه والحسبان في الأخرى فيختارون لها من هذه الطّبقة ما دعت إليه الضّرورة ويقلّدونه إلّا أنّه لا تكون يد آخر من أهل العصبيّة غالبة على يده ويكون نظره منصرفا عن نظره كما هو في دولة التّرك لهذا العهد بالمشرق فإنّ الكتابة عندهم وإن كانت لصاحب الإنشاء إلّا أنّه تحت يد أمير من أهل عصبيّة السّلطان يعرف بالدّويدار وتعويل السّلطان ووثوقه به واستنامته في غالب أحواله إليه وتعويله على الآخر في أحوال البلاغة وتطبيق المقاصد وكتمان الأسرار وغير ذلك من توابعها. وأمّا الشّروط المعتبرة في صاحب هذه الرّتبة الّتي يلاحظها السّلطان في اختياره وانتقائه من أصناف النّاس فهي كثيرة وأحسن من استوعبها عبد الحميد الكاتب في رسالته إلى الكتّاب وهي: «أمّا بعد حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة وحاطكم ووفّقكم وأرشدكم فإنّ الله عزّ وجلّ جعل النّاس بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن بعد الملوك المكرّمين أصنافا وإن كانوا في الحقيقة