البحر لهذا العهد موفور الأساطيل ثابت القوّة لم يتحيّفه عدو ولا كانت لهم به كرّة فكان قائد الأسطول به لعهد لمتونة بني ميمون رؤساء جزيرة قادس ومن أيديهم أخذها عبد المؤمن بتسليمهم وطاعتهم وانتهى عدد أساطيلهم إلى المائة من بلاد العدوتين جميعا. ولمّا استفحلت دولة الموحّدين في المائة السّادسة وملكوا العدوتين أقاموا خطّة هذا الأسطول على أتمّ ما عرف وأعظم ما عهد وكان قائد أسطولهم أحمد الصّقلّيّ أصله من صدّ غيار الموطّنين بجزيرة جربة من سرويكش أسرة النّصارى من سواحلها وربي عندهم واستخلصه صاحب صقلّيّة واستكفاه ثمّ هلك، وولي ابنه فأسخطه ببعض النّزعات وخشي على نفسه ولحق بتونس ونزل على السّيّد بها من بني عبد المؤمن وأجاز مراكش فتلقّاه الخليفة يوسف بن عبد المؤمن بالمبرّة والكرامة وأجزل الصّلة وقلّده أمر أساطيله فجلّى في جهاد أمم النّصرانيّة وكانت له آثار وأخبار ومقامات مذكورة في دولة الموحّدين. وانتهت أساطيل المسلمين على عهده في الكثرة والاستجادة إلى ما لم تبلغه من قبل ولا بعد فيما عهدناه ولمّا قام صلاح الدّين يوسف بن أيّوب ملك مصر والشّام لعهده باسترجاع ثغور الشّام من يد أمم النّصرانيّة وتطهير بيت المقدس تتابعت أساطيلهم بالمدد لتلك الثّغور من كلّ ناحية قريبة لبيت المقدس الّذي كانوا قد استولوا عليه فأمدّوهم بالعدد والأقوات ولم تقاومهم أساطيل الإسكندريّة لاستمرار الغلب لهم في ذلك الجانب الشّرقيّ من البحريّة وتعدّد أساطيلهم فيه وضعف المسلمين منذ زمان طويل عن ممانعتهم هناك كما أشرنا إليه قبل فأوفد صلاح الدّين على أبي يعقوب المنصور سلطان المغرب لعهده من الموحّدين رسوله عبد الكريم بن منقذ من بيت بني منقذ ملوك شيزر، وكان ملكها من أيديهم وأبقى عليهم في دولته فبعث عبد الكريم منهم هذا إلى ملك المغرب طالبا مدد الأساطيل لتحول في البحر بين أساطيل الأجانب وبين مرامهم من أمداد النّصرانيّة بثغور الشّام وأصحبه كتابه إليه في ذلك من إنشاء الفاضل البيسانيّ يقول في افتتاحه