عليها في عرف الدّول وهي وظيفة ضروريّة للملك إذ بها يتميّز الخالص من المغشوش بين النّاس في النّقود عند المعاملات ويتّقون في سلامتها الغشّ بختم السّلطان عليها بتلك النّقوش المعروفة وكان ملوك العجم يتّخذونها وينقشون فيها تماثيل تكون مخصوصة بها مثل تمثال السّلطان لعهدها أو تمثيل حصن أو حيوان أو مصنوع أو غير ذلك ولم يزل هذا الشّأن عند العجم إلى آخر أمرهم. ولمّا جاء الإسلام أغفل ذلك لسذاجة الدّين وبداوة العرب وكانوا يتعاملون بالذّهب والفضّة وزنا وكانت دنانير الفرس ودراهمهم بين أيديهم ويردّونها في معاملتهم إلى الوزن ويتصارفون بها بينهم إلى أن تفاحش الغشّ في الدّنانير والدّراهم لغفلة الدّولة عن ذلك وأمر عبد الملك الحجّاج على ما نقل سعيد بن المسيّب وأبو الزّناد بضرب الدّراهم وتمييز المغشوش من الخالص وذلك سنة أربع وسبعين وقال المدائنيّ سنة خمس وسبعين ثمّ أمر بصرفها في سائر النّواحي سنة ستّ وسبعين وكتب عليها «الله أحد الله الصّمد» ثمّ ولّي ابن هبيرة العراق أيّام يزيد بن عبد الملك فجوّد السّكّة [١] ثمّ بالغ خالد القسريّ في تجويدها ثمّ يوسف بن عمر بعده وقيل أوّل من ضرب الدّنانير والدّراهم مصعب بن الزّبير بالعراق سنة سبعين بأمر أخيه عبد الله لمّا ولي الحجاز وكتب عليها في أحد الوجهين «بركة الله» وفي الآخر «اسم الله» ثمّ غيّرها الحجّاج بعد ذلك بسنة وكتب عليها اسم الحجّاج وقدّر وزنها على ما كانت استقرّت أيّام عمر وذلك أنّ الدّرهم كان وزنه أوّل الإسلام ستّة دوانق والمثقال وزنه درهم وثلاثة أسباع درهم فتكون عشرة دراهم بسبعة مثاقيل وكان السّبب في ذلك أنّ أوزان الدّرهم أيّام الفرس كانت مختلفة وكان منها على وزن المثقال عشرون قيراطا ومنها اثنا عشر ومنها عشرة فلمّا احتيج إلى تقديره في الزّكاة أخذ الوسط وذلك اثنا عشر قيراطا فكان المثقال درهما وثلاثة أسباع درهم وقيل كان منها البغليّ بثمانية دوانق والطّبريّ أربعة دوانق والمغربيّ ثمانية دوانق واليمنيّ ستّة دوانق فأمر عمر أن ينظر الأغلب في
[١] وكانت الدنانير تسمى بالهبيرية نسبة إلى ابن هبيرة. واشتهرت بجودتها.