انتقض الترك بغزة ونادوا بطاعة المغيث صاحب الكرك فنادى الترك بمصر بطاعة المستعصم وجدّدوا البيعة للأشرف وأتابكه ثم سار الناصر يوسف بعسكره من دمشق إلى مصر فجهز الأمراء العساكر إلى الشام مع أقطاي الجامدار كبير البحرية ويلقب فارس الدين فاجفلت عساكر الشام بين يديه ثم قبض الناصر يوسف صاحب دمشق على الناصر داود لشيء بلغه عنه وحبسه بحمص وبعث عن ملوك بني أيوب فجاءه موسى الأشرف صاحب حمص والرحبة وتدمر والصالح إسماعيل بن العادل من بعلبكّ والمعظم توران شاه وأخوه نصر الدين ابنا صلاح الدين والأمجد حسام الدين والظاهر شادي ابنا الناصر وداود صاحب الكرك وتقي الدين عباس بن العادل واجتمعوا بدمشق وبعث في مقدّمته مولاه لؤلؤ الأرمني وخرج أيبك التركماني في العساكر من مصر للقائهم وأفرج عن ولدي الصالح إسماعيل المعتقلين منذ أخذهم الهذباني من بعلبكّ ليتهم الناس أباهم ويستريبوا به والتقى الجمعان في العباسية فانكشفت عساكر مصر وسارت عساكر الشام في أتباعهم وثبت أيبك وهرب إليه جماعة من عساكر الناصر ثم صدق أيبك الحملة على الناصر فتفرقت عساكره وسار منهزما وجيء لأيبك بلؤلؤ الأرمني أسيرا فقتله وأسر إسماعيل الصالح وموسى الأشرف وتوران شاه المعظم وأخوه ولحق المنهزمون من عسكر مصر بالبلد وشعر المتبعون لهم من عساكر الشام بهزيمة الناصر وراءهم فرجعوا ودخل أيبك إلى القاهرة وحبس بني أيوب بالقلعة ثم قتل يغمور وزير الصالح إسماعيل المعتقل ببعلبكّ مع بنيه وقتل الصالح إسماعيل في محبسه ثم جهز الناصر العساكر من دمشق إلى غزة فتواقعوا مع فارس الدين أقطاي مقدّم عساكر مصر فهزموهم واستولوا عليها [١] وتردّدت الرسل بين الناصر وبين الأمراء بمصر واصطلحوا سنة خمسين وجعلوا التخم بينهم نهر الأردن ثم أطلق أيبك حسام الدين الهذباني فسار إلى دمشق وسار في خدمة الناصر وجاءت إلى الناصر شفاعة المستعصم في الناصر داود صاحب الكرك الّذي حبسه بحمص فأفرج عنه ولحق ببغداد ومعه ابناه الأمجد والظاهر فمنعه الخليفة من دخولها فطلب وديعته فلم يسعف بها وأقام في أحياء عرية ثم رجع إلى دمشق بشفاعة من المستعصم للناصر وسكن عنده والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.
[١] أي على غزة كما في تاريخ أخبار البشر لأبي الفداء ج ٣ ص ١٨٥: في هذه السنة (حوادث سنة ٦٤٨) بعد هزيمة الملك الناصر صاحب الشام سار فارس الدين اقطاي بثلاثة آلاف فارس إلى غزة فاستولى عليها. ثم عاد إلى الديار المصرية.