والأمصار وسائر الأعمال والشّرع قد تعرّض لذكرهما وعلّق كثيرا من الأحكام بهما في الزّكاة والأنكحة والحدود وغيرها فلا بدّ لهما عنده من حقيقة ومقدار معيّن في تقدير تجري عليهما أحكامه دون غير الشّرعيّ منهما فاعلم أنّ الإجماع منعقد منذ صدر الإسلام وعهد الصّحابة والتّابعين أنّ الدّرهم الشّرعيّ هو الّذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذّهب والأوقيّة منه أربعين درهما وهو على هذا سبعة أعشار الدّينار ووزن المثقال من الذّهب اثنتان وسبعون حبّة من الشّعير فالدّرهم الّذي هو سبعة أعشاره خمسون حبّة وخمسا حبّة وهذه المقادير كلّها ثابتة بالإجماع فإنّ الدّرهم الجاهليّ كان بينهم على أنواع أجودها الطّبريّ وهو أربعة دوانق والبغليّ وهو ثمانية دوانق فجعلوا الشّرعيّ بينهما وهو ستّة دوانق فكانوا يوجبون الزّكاة في مائة درهم بغليّة ومائة طبريّة خمسة دراهم وسطا وقد اختلف النّاس هل كان ذلك من وضع عبد الملك أو إجماع النّاس بعد عليه كما ذكرناه. ذكر ذلك الخطام في كتاب معالم السّنن والماورديّ في الأحكام السّلطانيّة وأنكره المحقّقون من المتأخّرين لما يلزم عليه أن يكون الدّينار والدّرهم الشّرعيّان مجهولين في عهد الصّحابة ومن بعدهم مع تعلّق الحقوق الشّرعيّة بهما في الزّكاة والأنكحة والحدود وغيرها كما ذكرناه والحقّ أنّهما كانا معلومي المقدار في ذلك العصر لجريان الأحكام يومئذ بما يتعلّق بهما من الحقوق وكان مقدارهما غير مستخصّ في الخارج وإنّما كان متعارفا بينهم بالحكم الشّرعيّ على المقدار في مقدارهما وزنتهما حتّى استفحل الإسلام وعظمت الدّولة ودعت الحال إلى تشخيصهما في المقدار والوزن كما هو عند الشّرع ليستريحوا من كلفة التّقدير وقارن ذلك أيّام عبد الملك [١] فشخّص مقدارهما وعيّنهما في الخارج كما هو في الذّهن ونقش عليهما السّكّة باسمه وتأريخه أثر الشّهادتين الإيمانيّتين وطرح النّقود الجاهليّة رأسا حتّى خلصت ونقش عليها سكّة وتلاشى وجودها فهذا هو