يحمله على ذلك إلّا نسيان شأن العصبيّة في حلّة وبلدة وأنّهم إنّما يرون ذلك الدّفاع والحماية والمطالبة إلى الوحدان والجماعة النّاشئة عنهم لا يعتبرون في ذلك عصبيّة ولا نسبا وقد بيّنّا ذلك أوّل الكتاب مع أنّ هذا وأمثاله على تقدير صحّته إنّما هو من الأسباب الظّاهرة مثل اتّفاق الجيش في العدّة وصدق القتال وكثرة الأسلحة وما أشبهها فكيف يجعل ذلك كفيلا بالغلب ونحن قد قرّرنا لك الآن أنّ شيئا منها لا يعارض الأسباب الخفيّة من الحيل والخداع ولا الأمور السّماويّة من الرّعب والخذلان الإلهيّ فافهمه وتفهّم أحوال الكون «وَالله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ٧٣: ٢٠» .
ويلحق بمعنى الغلب في الحروب وأنّ أسبابه خفيّة وغير طبيعيّة حال الشّهرة والصّيت فقلّ أن تصادف موضعها في أحد من طبقات النّاس من الملوك والعلماء والصّالحين والمنتحلين للفضائل على العموم وكثير ممّن اشتهر بالشّرّ وهو بخلافه وكثير ممّن تجاوزت عنه الشّهرة وهو أحقّ بها وأهلها وقد تصادف موضعها وتكون طبقا على صاحبها والسّبب في ذلك أنّ الشّهرة والصّيت إنّما هما بالإخبار والإخبار يدخلها الذّهول عن المقاصد عند التّناقل ويدخلها التّعصّب والتّشييع ويدخلها الأوهام ويدخلها الجهل بمطابقة الحكايات للأحوال لخفائها بالتّلبيس والتّصنّع أو لجهل النّاقل ويدخلها التّقرّب لأصحاب التّجلّة والمراتب الدّنيويّة بالثّناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذّكر بذلك والنّفوس مولعة بحبّ الثّناء والنّاس متطاولون إلى الدّنيا وأسبابها من جاه أو ثروة وليسوا من الأكثر براغبين في الفضائل ولا منافسين في أهلها وأين مطابقة الحقّ مع هذه كلّها فتختلّ الشّهرة عن أسباب خفيّة من هذه وتكون غير مطابقة وكلّ ما حصل بسبب خفيّ فهو الّذي يعبّر عنه بالبخت كما تقرّر والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق