فيهم مدّة هذه المائة سنة ولما اضمحلّ أمر التتر من بلاد الروم واستقرّ بنو ارتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء التركمان على ما وراء الدروب إلى خليج القسطنطينية ونزل ملكهم مدينة برصا من تلك الناحية وكان يسمى أورخان بن عثمان جق فاتخذها دارا لملكهم ولم يفارق الخيام إلى القصور وإنما ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها وولي بعده ابنه مر أدبك وتوغل في بلاد النصرانية وراء الخليج وافتتح بلادهم إلى قريب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصار أكثرهم ذمّة ورعايا وعاث في بلاد الصقالبة بما لم يعهد لمن قبله وأحاط بالقسطنطينية من جميع نواحيها حتى اعتقل ملكها من أعقاب لشكري وطلب منه الذمّة وأعطاه الجزية ولم يزل على جهاد أمم النصرانية وراءه إلى أن قتله الصقالبة في حروبه معهم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وولي بعده ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد وقد استفحل ملكهم واستنجدت بالغز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من انطاكية والعلايا بحيال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود أرمينية وجدّهم هو الّذي هزم أوشين بن ليعون ملك سيس من الأرمن سنة عشرين وسبعمائة ثم كان بين بني عثمان جق وبين بني قرمان اتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم وفتح سائر البلاد ولم يبق له إلّا سيواس بلد بني ارتنا في استبداد القاضي الّذي عليها وما أدرى ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بني جفطاي بن جنكزخان وملك ابن عثمان لهذا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدّة عزيزة على تلك الأمم والأحياء والله غالب على أمره وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الأمم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الإسلامية شرقا وغربا لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجيل الناشيء بعد انقراض اللسان المضري ودروسه ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث من الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب إن شاء الله تعالى والله وليّ العون والتوفيق بمنه وكرمه.
تم طبع الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوّله الطبعة الرابعة