ونجا بنفسه في فلّ من جنده، ولحق بأخيه بالبصرة. ثم أجاز بعدها إلى المنصو باستدعائه، وترك أخاه يحيى على عمل المغرب. ثم حاربتهم أيضا صنهاجة لمّا غزا بلكّين بن زيري المغرب سنة ثمان وستين وثلاثمائة بعدها وأجفلت زناتة أمامه وانزووا إلى حائط سبتة، وامتنعوا منه بأعوادها فانصرف عنهم إلى جهاد برغواطة، وزحف إليهم فلقيه أبو منصور عيسى بن أبي الأنصار في قومه، وكانت عليهم الهزيمة.
وقتل أبو منصور وأثخن فيهم بلكّين بالقتل، وبعث سبيهم إلى القيروان وأقام بالمغرب يردّد الغزو فيهم إلى سنة اثنتين وسبعين [وثلاثمائة] وانصرف من المغرب فهلك في طريقه إلى القيروان. ولم أقف على من ملك أمرهم بعد أبي منصور. ثم حاربتهم أيضا جنود المنصور بن أبي عامر لما عقد عبد الملك بن المنصور لمولاه واضح إمرة برغواطة هؤلاء فيمن قبله من الأجناد وأمراء النواحي وأهل الولاية، فعظم الأثر فيهم بالقتل والسبي. ثم حاربهم أيضا بنو يفرن لما استقل أبو يعلى بن محمد اليفرني من بعد ذلك بناحية سلا من بلاد المغرب. واقتطعوهم من عمل زيري بن عطية المغراوي بعد ما كان بينهما من الحروب.
وانتساب أولاد يعلى هؤلاء إلى تميم بن زيري بن يعلى في أوّل المائة الخامسة، وكان موطنا بمدينة سلا ومجاورا لبرغواطة، فكان له أثر كبير في جهادهم، وذلك في سني عشرين وأربعمائة، فغلبهم على تامسنا وولّى عليها من قبله بعد أن أثخن فيهم سبيا وقتلا. ثم تراجعوا من بعده إلى أن جاءت دولة لمتونة وخرجوا من مواطنهم بالصحراء إلى بلاد المغرب، وافتتحوا الكثير من معاقل السوس الأقصى وجبال المصامدة. ثم بدا لهم جهاد برغواطة بتامسنا وما إليها من الريف الغربي فزحف إليهم أبو بكر بن عمر أمير لمتونة في المرابطين من قومه، وكانت له فيهم وقائع استشهد في بعضها صاحب الدعوة عبد الله ابن ياسين الكبروي [١] سنة خمسين وأربعمائة، واستمرّ أبو بكر وقومه من بعده على جهادهم حتى استأصلوا شأفتهم ومحوا من الأرض آثارهم وكان صاحب أمرهم لعهد انقراض دولتهم أبو حفص عبد الله من أعقاب أبي منصور عيسى بن أبي الأنصار عبد الله بن أبي غفير محمد بن معاد بن اليسع بن صالح بن طريف، فهلك في حروبهم وعليه كان انقراض أمرهم وقطع دابرهم على
[١] وفي نسخة ثانية: الكزولي أو الجزولي كما في قبائل المغرب/ ٣٢٣.