للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يموّهون بمرضه، ويقيمون سنّته في الصلاة والحزب الراتب. يدخل أصحابه إلى البيت كأنه اختصهم بعبادته، فيجلسون حوالي قبره ويتفاوضون في شئونهم بمحضر أخته زينب ثم يخرجون لإنفاذ ما أبرموه، ويتولّاه عبد المؤمن بتلقينهم حتى إذا استحكم أمرهم وتمكّنت الدعوة من نفوس كافتهم كشفوا حينئذ القناع عن حالهم، وتملأ من بقي من العشرة على تقديم عبد المؤمن. وتولّى كبر ذلك الشيخ أبو حفص، وأراد هنتاتة وسائر المصامدة غلبه فأظهروا للناس موت المهدي، وعهده لصاحبه وانقياد بقية أصحابه لذلك.

وروى يحيى بن يغمور أنه كان يقول في دعائه إثر صلواته: «اللَّهمّ بارك في الصاحب الأفضل» فرضي الكافة وانقادوا وأجمعوا على بيعته بمدينة تين ملّل سنة أربع وعشرين وخمسمائة فقام بأمر الموحّدين وأبعد في الغزوات فصبح تادلا، وأقام بها وأصاب منهم. ثم غزا درعة واستولى عليها سنة ست وعشرين وخمسمائة ثم غزا تاسعون [١] وافتتحها وقتل واليها أبا بكر بن مازرو [٢] ومن كان معه من قومه غمارة بني وزار [٣] وبني مزدرع ثم تسابق الناس إلى دعوتهم أفواجا، وانتقض البرابر في سائر أقطار المغرب على لمتونة، فسرّح علي بن يوسف ابنه تاشفين لقتالهم سنة ثلاث وستين وخمسمائة فجاءهم من ناحية أرض السوس، وأحشد معه قبائل كزولة وجعلهم في مقدّمته، فلقيهم الموحّدون بأوائل جبلهم وهزموهم. ورجع تاشفين ولم يلق حربا، ودخل كزولة من بعدها في دولة الموحّدين، وأجمع عبد المؤمن على غزو بلاد المغرب، فغزا غزاته الطويلة منذ سنة أربع وثلاثين وخمسمائة إلى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ولم يراجع فيها تين ملّل حتى إذا انقضت بالفتح والاستيلاء على المغربين، خرج إليها من تين ملّل، وخرج تاشفين بعساكره يحاذيه في البسائط، والناس يفرّون منه إلى عبد المؤمن وهو ينتقل في الجبال في سعة من الفواكه للأكل والحطب للدفء إلى أن وصل إلى جبل غمارة، واشتعلت نار الفتنة والغلاء بالمغرب، وامتنعت الرعايا من المغرم وألح الطاغية على المسلمين بالعدوة.

وهلك خلال ذلك علي بن يوسف أمير لمتونة ملك العدوتين سنة سبع وثلاثين


[١] وفي نسخة أخرى: تاشعبوث وفي النسخة الباريسية تاسيغموت.
[٢] وفي نسخة أخرى: مزروال.
[٣] وفي نسخة أخرى: بني ونام، وفي النسخة الباريسية: وارنتي وفي نسخة ثانية: ونار.

<<  <  ج: ص:  >  >>