للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيام ملكه إلى أن هلك على فراشه كما نذكر. واتصلت ممالك الأمير أبي العبّاس في بلاد الجريد وساور أبو بكر بن بهلول [١] توزر مرارا يفلت في كلّها من الهلكة إلى أن مات ببسكرة سنة سبع وأربعين قبيل مهلك الناس كما نذكر. وأقام أبو العباس بمحل إمارته ولم يزل يمهّد الأحوال ويستنزل الثوّار. وكان أبو مكي قد امتنع عليه بقابس، وكان من خبره أنه لما رجع عبد الملك من تونس مع عبد الواحد بن اللحياني الّذي كان حاجبا له وذهب ابن اللحياني إلى المغرب وأقام هو بقابس. ثم استراب بمكان أمره مع السلطان حين ذهب ملك آل زيّان فأوفد أخاه أحمد بن مكي على السلطان أبي الحسن متنصّلا من ذنوبه متذمّما بشفاعته منه إلى السلطان أبي بكر فشفع له وأعاده السلطان إلى مكان رياسته. واستقام هو على الطاعة ونكب عن سنن العصيان والفتنة.

وكان لأحمد بن مكي حظ من المال والأدوات ونفس مشغوفة بالرياسة والشرف [٢] ، وكان يقرض الشعر فكان يجيد ويرسل فيحسن، وكان خط كتابته أنيقا ينحو به منحى الخط الشرقيّ شأن أهل الجريد فيمتع ما شاء، فكانت لذلك كلّه في نفس الأمير أبي العبّاس صاغية إليه. وكان هو مستريبا بالمخالطة لما شاء من آثاره السالفة. ولم يزل الأمير أبو العبّاس يفتل له في الذروة والغارب إلى أن جلبه إلى مجلس السيدة أمّه الواحدة [٣] أخت مولانا السلطان قافلة من حجهّا فمسح ما كان بصدره، وأحكم له عقد مخالصته واصطنعه لنفسه فحل من إمارته بمكان غبطة واعتزاز. وعقد له السلطان على جزيرة جربة، واستضافها إلى عمله وأنزل عنها مخلوف بن الكماد من صنائعه كان افتتحها سنة ثمان وثمانين وعقد له السلطان عليها فنزلها أحمد بن مكي. واستقل عبد الملك أخوه برياسة قابس فقاما على ذلك وجرّدا عزائمهما في ولاية أبي العبّاس صاحب أعمال الجريد فلم يزالوا كذلك إلى أن كان من أمر الجميع ما نذكر إن شاء الله تعالى.


[١] وفي نسخة أخرى: أبو بكر يملول.
[٢] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: بالرياسة والسرو.
[٣] وفي النسخة الباريسية: أمة الواحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>