للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحلم غرّا فلم يحسنوا تدبير أمره ولا سياسة سلطانه، واستخلصوا لوقتهم منصور بن حمزة أمير بني كعب المتغلّبين على الضاحية ثم أطمعوه بسوء تدبيرهم في شركته لهم في الأمر. ثم قلبوا له ظهر المجن فسخطهم ولحق بالسلطان أبي العبّاس وهو مطل عليهم بمرقبة من الثغور الغربية مستجمع للتوثّب بهم، فاستحثّه لملكهم وحرّضه على تلافي أمرهم ورمّ ما تثلّم من سياج دولتهم. وكان الأحق بالأمر لشرف نفسه وجلالته واستفحال ملكه وسلطانه، وشياع الحديث على عدله ورفعته [١] وجميل سيرته ولما أن أهل مملكته نظروا لعقب نظره فيهم واستبداد سواه عليهم، فأجاب صريخه وشمّر للنهوض عزمه. وكان أهل قسنطينة قد بعثوا بمثل ذلك، فسرّح إليهم أبا عبد الله بن الحاجب أبي محمد بن تافراكين لاستخبار [٢] طاعتهم وابتلاء دخلتهم، فسار إليهم واقتضى سمعهم [٣] وطاعتهم، وسارع إليها يحيى بن يملول مقدّم توزر والخلف بن الخلف مقدّم نفطة فآتوها طواعية. وانقلب عنهم وقد أخذوا بدعوة السلطان وأقاموها في أمصارهم.

ثم خرج السلطان من بجاية في العساكر وأغذّ السير إلى المسيلة، وكان بها إبراهيم ابن الأمير أبي زكريا الأخير فأجابه [٤] أولاد سليمان بن على من الزواودة من مثوى اغترابه بتلمسان، ونصّبوه لطلب حقه في بجاية من بعد أخيه الأمير أبي عبد الله، وكان ذلك بمداخلة من أبي حمو صاحب تلمسان ومواعيد بالمظاهرة مختلفة. فلما انتهى السلطان إلى المسيلة نبذوا إلى إبراهيم عهده وتبرءوا منه. ورجعوا من حيث جاءوا، وانكفأ السلطان راجعا إلى بجاية. ثم نهض منها إلى الحضرة وتلقته وفود إفريقية جميعا بالطاعة وانتهى إلى البلد فخيّم بساحتها أياما يغاديها القتال ويراوحها. ثم كشف عن مصدوقته وزحف إلى أسوارها وقد ترجّل أخوه والكثير من بطانته وأوليائه فلم يقم لهم حتى تسنموا الأسوار برياض رأس الطابية، فنزل الطابية، فنزل عنها المقاتلة وفرّوا إلى داخل البلد. وخامر الناس الدهش وتبرّأ بعضهم من بعض، وأهل الدولة في مركبهم وقوف بباب الغدر من أبواب القصبة. فلمّا رأوا أنهم أحيط بهم ولّوا الأعقاب


[١] وفي نسخة ثانية: رفقه.
[٢] وفي نسخة ثانية: لاختبار.
[٣] وفي نسخة ثانية: بيعاتهم.
[٤] وفي نسخة ثانية: جأجأ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>