للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجباية ومشايعة صاحب الغربية ركونا على صاحب الحضرة. فلما استبدّ مولانا السلطان أبو العبّاس بالدعوة الحفصية وجمع الكلمة، واستولى على كثير من الثغور المنتقضة تراسل أهل هذه العصور الجريديّة وتحدّثوا بما دهمهم وطلبوا وجه الخلاص منه، والامتناع عليه.

وكان عبد الملك بن مكي أقعدهم بذلك لطول مراسلة [١] الفتن وانحياشه إلى الثوار، وكان أحمد أخوه ورديفه قد هلك سنة خمس وستين وسبعمائة، وانفرد هو برياسة قابس فراسلوه وراسلهم في الشأن، وأجمعوا جميعا على تجييش العرب على السلطان وتسريب الأموال ومشايعة صاحب تلمسان بالترغيب في ملك إفريقية، فانتدبوا لذلك من كل ناحية، وبعثوا البريد إلى صاحب تلمسان فأطمعهم من نفسه، وعلّلهم بالمواعيد الكاذبة، والسلطان أبو العبّاس مقبل على شأنه يقتّل لهم في الذروة والغارب حتى غلب أولاد أبي الليل الذين كانوا يغزونهم بالمدافعة عنهم، وافتتح قفصة وتوزر ونفطة. وتبيّن لهم عجز صاحب تلمسان عن صريخهم، فحينئذ بادر عبد الملك إلى مراسلة السلطان يعده من نفسه الطاعة والوفاء بالجباية، ويستدعي لاقتضاء ذلك منه بعض حاشيته فأجابه إلى ذلك، وبعث أمره إليه [٢] ورجع إلى الحضرة في انتظاره فطاوله ابن مكي في العرض وردّه بالوعد.

ثم اضطرب أمره وانتقض عليه أهل ضاحيته بنو أحمد إحدى بطون دباب، وركبوا إليه فحاصروه وضيّقوا عليه، واستدعوا المدد لذلك من الأمير أبي بكر صاحب قفصة فأمدّهم بعسكر وقائد فنازلوه واشتدّ الحصار، واتهم ابن مكي بعض أهل البلد بمداخلتهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم، وتنكّرت له الرعيّة وساءت حاله، ودسّ إلى بعض المفسدين من العرب من بني علي في تبييت العسكر المحاصرين له، واشترط لهم على ذلك ما رضوه من المال، فجمعوا لهم وبيّتوهم فانفضّوا ونالوا منهم. وبلغ السلطان خبرهم فأحفظه وأجمع الحركة على قابس وعسكر بظاهر الحضرة في رجب سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وتلوّم أياما حتى استوفى العطاء واعترض العساكر، وتوافت أحياء أوليائه من أولاد مهلهل وحلفائهم من سائر سليم. ثم ارتحل إلى القيروان، وارتحل منها يريد قابس، وقد استكمل التعبية وبادر إلى لقائه والأخذ


[١] وفي نسخة ثانية: مراسه.
[٢] وفي نسخة ثانية: وبعث وافده إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>