للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كريم ومحل من المجلس رفيع إلى أن هلك السلطان خاتمة تسع وخمسين وسبعمائة فأرغد القائم بالدولة من بعده جائزته وأسنى صلته وصرفه إلى عمله، واستوصى به أمراء النواحي والثغور في طريقه. ولم ينشب أن شبّت نار الفتنة وانتزى الخوارج بالجهات بعد مهلك السلطان فخلص إلى أبيه بعد عنائه وعلى يأس من النجاة بعد أن حصل في قبضة أبي حمو سلطان بني عبد الواد عند استيلائه على تلمسان، وهو بها مع بني مرين، وقد مرّ بهم مجتازا إلى وطنه فأجاره عليه صغير بن عامر من زغبة رعيا لأذمة ابنه يوسف صاحب الزاب، وتأميلا للعرب فيه وفي أعماله. وبعد أن بذل له من ذات يده ومن طرف ما وصله به بنو مرين من ذخائرهم بعث معه صغير وفادا [١] من قومه أبلغوه مأمنه، فكانت إحدى الغرائب في نجاته.

واسترجع الموحّدون ثغورهم: بجاية وقسنطينة من يد بني مرين وأزعجوا عنها العساكر المجمّرة بها من قبائلهم كما قدّمناه، فراجع يوسف بن منصور طاعته المعروفة لهم إلى أن هلك سنة سبع وستين وسبعمائة يوم عاشوراء، وقام بأمره ابنه أحمد، وجرى على سننه وهو لهذا العهد أمير على الزاب بمحل أبيه من إمارته متقبّل في مذهبه وطريقه إلّا أن خلق أبيه كان سجية وخلق هذا تقليد لما فيه من التحذلق [٢] ، وربك يخلق ما يشاء ويختار. وله أولاد كبيرهم أبو يحيى من بنت محمد بن يملول أخت يحيى، وهو لهذا العهد مرشح لمكانه. ولما حلّت بأهل الجريد الفاقرة [٣] ونزل به يحيى بن يملول الشؤم على وطنه توجّس الخيفة من السلطان وتوقّع المطالبة بطاعة غير طاعته المعروفة، فسرّب الأموال في العرب ومدّيده إلى حبل صاحب تلمسان ليستمسك به فوجده قاصرا عنه، وأقام يقدّم في أمره رجلا ويؤخّر أخرى. ثم قذف الله نور الهداية في قلبه، وأراه سنن رشده. وبادر إلى الاستقامة في الطاعة والعدول عن المراوغة، ووصله فأوفد السلطان أبو العبّاس شيخ الموحدين أبا العباس بن أبي هلال، وكشف له قناع المخالصة والانحياش، وبعث معه وفده بهديته واستقامته وتقبّله السلطان وأعاده إلى أحسن الأحوال ورضي عنه والله متولي الأمور سبحانه لا ربّ سواه، ولا معبود إلّا إيّاه.


[١] وفي نسخة أخرى: ركابا.
[٢] وفي نسخة أخرى: ان خلق أبيه كان سخية وخلق هذا تلهوقا.
[٣] الفاقرة: الداهية الشديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>