وكذلك من نسبه إلى العمالقة. والحق أنّ جالوت من بني فلسطين بن كسلوحيم بن مصرايم بن حام أحد شعوب حام بن نوح، وهم إخوة القبط والبربر والحبشة والنوبة كما ذكرناه في نسب أبناء حام. وكان بين بني فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل حروب كثيرة، وكان بالشام كثير من البربر إخوانهم، ومن سائر أولاد كنعان يضاهونهم فيها، ودثرت أمّة فلسطين وكنعان وشعوبهما لهذا العهد، ولم يبق إلّا البربر، واختص اسم فلسطين بالوطن الّذي كان لهم فاعتقد سامع اسم البربر مع ذكر جالوت أنه منهم وليس كذلك.
(وأمّا) ما رأي نسّابة زناتة أنهم من حمير فقد أنكره الحافظان أبو عمر بن عبد البرّ وأبو محمد بن حزم وقالا ما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في أكاذيب مؤرخي اليمن، وإنما حمل نسّابة زناتة على الانتساب في حمير الترفّع عن النسب البربري لما يرونهم في هذا العهد خولا وعبيدا للجباية وعوامل الخراج، وهذا وهم فقد كان في شعوب البربر من هم مكافئون لزناتة في العصبية أو أشدّ منهم مثل هوّارة ومكناسة، وكان فيهم من غلب العرب على ملكهم مثل كتامة وصنهاجة ومن تلقّف الملك من يد صنهاجة مثل المصامدة، كل هؤلاء كانوا أشدّ قوّة وأكثر جمعا من زناتة. فلمّا فنيت أجيالهم أصبحوا مغلّبين فنالهم ضرّ المغرم، وصار اسم البربر مختصّا لهذا العهد بأهل المغرم، فأنف زناتة منه فرارا من الهضيمة.
وأعجبوا بالدخول في النسب العربيّ لصراحته وما فيه من المزيّة بتعدد الأنبياء ولا سيما نسب مضر وأنهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم بن نوح بن شيث بن آدم، خمسة من الأنبياء ليس للبربر إذا نسبوا إلى حام مثلها مع خروجهم عن نسب إبراهيم الّذي هو الأب الثالث للخليقة إذا الأكثر من أجيال العالم لهذا العهد من نسله. ولم يخرج عنه لهذا العهد إلّا الأقل مع ما في العربية أيضا من عزّ التوحّش، والسلامة من مذمومات الخلق بانفرادهم في البيداء. فأعجب زناتة نسبهم وزيّنه لهم نسّابتهم، والحق بمعزل عنه، وكونهم من البربر بعموم النسب لا ينافي شعارهم من الغلب والعز، فقد كان الكثير من شعوب البربر مثل ذلك وأعظم منه. وأيضا فقد تميّزت الخليقة وتباينوا بغير واحد من الأوصاف، والكلّ بنو آدم ونوح من بعده. وكذلك تميّزت العرب وتباينت شعوبها والكلّ لسام ولإسماعيل بعده.
(وأمّا) تعدّد الأنبياء في النسب فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا يضرّك الاشتراك