واصطلم نعمهم واستباح حرمهم. ثم احتشد حمامة من وجدة سائر قبائل مغراوة وزناتة وبعث الحاشدين في قياطينهم لجميع بلاد المغرب الأوسط، ووصل إلى تنس صريخا لزعمائهم. وكاتب من بعد عنه من رجالاتهم، وزحف إلى فاس سنة تسع وعشرين وأربعمائة فأفرج عنها أبو الكمال تميم ولحق ببلده ومقر ملكه من شالة، وأقام بمكان عمله وموطن إمارته منها إلى أن هلك سنة ست وأربعين وأربعمائة وولي ابنه حمّاد إلى أن هلك سنة تسع وأربعين وأربعمائة. وولي بعده ابنه يوسف إلى أن توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، فولي بعده عمّه محمد ابن الأمير أبي تميم إلى أن هلك في حروب لمتونة حين غلبوهم على المغرب أجمع حسبما نذكره، والملك للَّه يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين.
(وأمّا) أبو يداس بن دوناس قاتل حبوس بن زيري بن يعلى بن محمد فإنه لما اختلف عليه بنو يفرن وأخفق أمله في اجتماعهم له، أجاز البحر إلى الأندلس سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة فرفعه إخوانه أبو قرّة وأبو زيد وعطاف، فحلّ كلّهم من المنصور محل التكرمة والإيثار ونظمه في جملة الرؤساء والأمراء وأسنى له الجراية والأقطاع، وأثبت رجاله في الديوان، ومن أجاز من قومه فبعد صيته وعلا في الدولة كعبه.
(ولما) افترقت الجماعة وانتثر سلك الخلافة كان له في حروب البربر مع جند الأندلس آثار بعيدة وأخبار غريبة، ولما ملك المستعين قرطبة سنة أربعمائة واجتمع إليه من كان بالأندلس من البرابرة لحق المهدي بالثغور واستجاش طاغية الجلالقة، فزحف معه إلى غرناطة وخرج المستعين في جموعه من البرابرة إلى الساحل واتبعهم المهدي في جموعه فتواقعوا بوادي أيرة [١] فكانت بين الفريقين جولة عظم بلاء البرابرة، وطار لأبي يداس فيما ذكر، وانهزم المهدي والطاغية وجموعهم بعد أن تضايقت المعركة وأصابت أبا يداس بن دوناس جراحة كان فيها مهلكه، ودفن هناك. وكان لابنه خلوف وحافده تميم بن خلوف من رجالات زناتة بالأندلس شجاعة ورياسة، وكان يحيى بن عبد الرحمن ابن أخيه عطاف من رجالاتهم، وكان له اختصاص ببني حمّود، ثم بالقاسم منهم، ولّاه على قرطبة أيام خلافته والبقاء للَّه وحده.