والدراهم، وربما دفعوا إلى النظر في ذلك ثقة بأماناتهم، نزل أوّلهم بتلمسان مع جالية قرطبة فاحترفوا بحرفتهم الأولى وزادوا إليها الفلاحة وتحلوا بخدمة عثمان بن يغمراسن وابنه، وكان لهم في دولة أبي حمو مزيد حظوة وعناية، فولّى على حجابته منهم لأوّل دولته محمد بن ميمون بن الملاح. ثم ابنه محمد الأشقر من بعده. ثم ابنه إبراهيم بن محمد من بعدهما، واشترك معه من قرابته علي بن عبد الله بن الملّاح، فكانا يتولّيان مهمه بداره ويحضران خلوته مع خاصته، فحضروا يومئذ مع السلطان بعد انقضاض مجلسه كما قلناه، ومعه من القرابة مسعود القتيل وحماموش بن عبد الملك بن حنينة. ومن الموالي معروف الكبير ابن أبي الفتوح بن عنتر من ولد نصر بن عليّ أمير بني يزيد [١] بن توجين، وكان السلطان قد استوزره.
(فلما علم) أبو تاشفين باجتماعهم هجم ببطانته عليهم وغلبوا الحاجب على بابه حتى ولجوه متسايلين بعد أن استمسكوا من اغلاقه، حتى إذا توسّطوا الدار اعتوروا السلطان بأسيافهم فقتلوه. وحام أبو تاشفين عنها، فلم يفرجوا عليه ولاذ أبو سرحان منهم ببعض زوايا الدار، واستمكن من غلقها دونهم، فكسروا الباب وقتلوه، واستلحموا من كان هنالك من البطانة، فلم يفلت إلا الأقل. وهلك الوزراء بنو الملّاح واستبيحت منازلهم. وطاف الهاتف بسكك المدينة بأنّ أبا سرحان غدر بالسلطان، وأنّ ابنه أبا تاشفين ثأر منه، فلم يخف على الناس الشأن. وكان موسى ابن عليّ الكرديّ قائد العساكر قد سمع الصيحة فركب إلى القصر، فوجده مغلقا دونه، فظنّ الظنون فخشي استيلاء مسعود على الأمر فبعث إلى العبّاس بن يغمراسن كبير القرابة، فأحضره عند باب القصر حتى إذا مرّ بهم الهاتف واستيقن مهلك أبي سرحان، ردّ العباس على عقبه إلى منزله. ودخل إلى السلطان أبي تاشفين، وقد أدركه الدهش من المواقعة فثبته ونشطه فحفه، وأجلسه بمجلس أبيه وتولى له عقد البيعة على قومه خاصة وعلى الناس عامّة، وذلك آخر جمادى الأولى من تلك السنة.
وجهّز السلطان إلى مدفنه بمقبرة سلفه من القصر القديم، وأصبح مثلا في الآخرين والبقاء للَّه.
وأشخص السلطان لأوّل ولايته سائر القرابة الذين كانوا بتلمسان من ولد يغمراسن،