الخشوع ووجوم الذنب والتوسّل. فعفا عنهم وتقبّل فيئهم، وارتحل إلى تازى في اتباع بني مرين. وأجمع بنو أوطاس الفتك بأبي يحيى بن عبد الحق غيرة ومناسفة، ودس إليه بذلك مهيب من مشيختهم، فترحّل عنهم إلى بلاد بني يزناسن، ونزل بعين الصفا.
ثم راجع نظره في مسالمة الموحّدين والفيئة إلى أمرهم ومظاهرتهم على عدوّهم يغمراسن وقومه من بني عبد الواد، ليكون فيها شفاء نفسه منهم، فأوفد مشيخة قومه عليه بتازى، فأدوا طاعته وفيئته، فتقبّلها وصفح لهم عن الجرائر التي أتوها.
وسألوه أن يستكفي بالأمير أبي يحيى في أمر تلمسان ويغمراسن، على أن يمده بالعساكر رامحة وناشبة، فاتهمهم الموحدون وحذروا منهم غائلة العصبيّة، فأمرهم السعيد بالعسكرة معه، فأمده الأمير أبو يحيى بخمسمائة من قبائل بني مرين. وعقد عليهم لابن عمه أبي عياد بن يحيى بن أبي بكر بن حمامة، وخرجوا تحت رايات السلطان. ونهض من تازى يريد تلمسان وما وراءها، وكان من خبر مهلكه على جبل تامززدكت بيد بني عبد الواد ما ذكرناه في أخبارهم.
ولما هلك وانفضت عساكره متسابقين إلى مراكش، وجمهورهم مجتمعون إلى عبد الله ابن الخليفة السعيد ولي عهده، وتحت رايات أبيه. وطار الخبر بذلك إلى الأمير أبي يحيى بن عبد الحق، وهو بجهات بني يزناسن. وقد خلص إليه هنالك ابن عمه أبو عياد. وبعث بني مرين من تيار تلك الصدمة، فانتهز الفرصة وأرصد لعسكر الموحدين وفلّهم بكرسيف، فأوقع بهم وامتلأت أيدي بني مرين من أسلابهم، وانتزعوا الآلة من أيديهم. وأصار إليه كتيبة الروم والناشبة من الغزو، واتخذ الموكب الملوكي. وهلك الأمير عبد الله بن السعيد في جوانب تلك الملحمة، ويئسوا للموحدين بعدها من الكرّة. ونهض الأمير أبو يحيى وقومه إلى بلاد المغرب مسابقين إليه يغمراسن بن زيان بما كان ملوك الموحدين، أوجدوهم السبيل إلى ذلك باستجاشة على بني مرين أيام فتنتهم معهم، فكانوا يبيحونه حرم المغرب ويوطئونه عساكر قومه ما بين تازى إلى فاس، إلى القصر مع عساكر الموحدين، فكان ليغمراسن وقومه بذلك طمع فيها لولا ما كبحهم فأس بني مرين وجدّع من أنوفهم.
وكان أول ما بدأ به أبو يحيى بن عبد الحق أعمال وطاط، فافتتح حصونهم بملوية