الفقيه أبي القاسم. ثم انتقض عليه لسنة واستبدّ وخطب لابن أبي حفص، ثم للعباسي، ثم لنفسه، وسلك فيها مسلك العزفي في سبتة، ولبثوا كذلك ما شاء الله، حتى إذا ملك بنو مرين المغرب وانبثوا في شعابه، ومدّوا اليد في ممالكه فتناولوها، ونزلوا معاقلة وحصونه فافتتحوها، وهلك الأمير أبو يحيى عبد الحق وابنه عمر من بعده. وتحيّز بنوه في ذويهم وأتباعهم وحشمهم إلى ناحية طنجة وأصيلا، فأوطنوا ضاحيتها وأفسدوا سابلتها وضيقوا على ساكنها، واكتسحوا ما حواليها، وشارطهم ابن الأمير على خراج معلوم على أن يكفوا الأذيّة ويحموا الحوزة ويصلحوا السابلة.
فاتصلت يده بيدهم، وتردّدوا إلى البلد لاقتضاء حاجاتهم. ثم مكروا وأضمروا الغدر ودخلوا في بعض أيامهم متأبطين السلاح، وفتكوا بابن الأمير غيلة، فثارت بهم العامّة لحينهم واستلحموا في مصرع واحد سنة خمس وستين وستمائة واجتمعوا إلى ولده وبقيت في ملكته خمسة أشهر. ثم استولى عليها العزفي فنهض إليها بعساكره من الرجل برّا وبحرا، واستولى عليها، وفرّ ابن الأمير ولحق بتونس ونزل على المستنصر واستقرّت طنجة في إيالة العزفي فضبطها وقام بأمرها، وولّى عليها من قبله. وأشرك الملاء من أشرافها في الشورى. ونازلها الأمير أبو مالك سنة ست وستين وستمائة فامتنعت عليه وأقامت على ذلك ستا، حتى إذا انتظم السلطان أبو يوسف ببلاد المغرب في ملكته، واستولى على حضرة مراكش ومحا دولة بني عبد المؤمن، وفرغ من أمر عدوه يغمراسن، وهم بتلك الناحية واستضافة عملها، فأجمع الحركة إليها ونازل طنجة مفتتح سنة اثنتين وسبعين بما كانت في البسيط من دون سبتة، وأقام عليها أياما. ثم اعتزم على الإفراج عنها، فقذف الله في قلوبهم الرعب، وافترق بينهم. وتنادى في بعض الناشية من السور بشعاب بني مرين، فبادر سرعان أناس إلى تسوّر حيطانها فملكوها عليهم، وقاتلوا أهل البلد ظلام ليلتهم، ثم دخلوا البلد من صبيحتها عنوة، ونادى منادي السلطان في الناس بالأمان والعفو عن أهل البلد، فسكن روعهم ومهد وفرغ من شأن طنجة. ثم بعث ولده الأمير أبا يعقوب في عساكر ضخمة لمنازلة العزفي في سبتة وارغامه على الطاعة، فنازلها أياما، ثم لاذ بالطاعة على المنعة. واشترط على نفسه خراجا يؤديه كل سنة، فتقبّل السلطان منه، وأفرجت عساكره عنهم، وقفل إلى حضرته. وصرف نظره إلى فتح سجلماسة وإزعاج بني عبد الواد المتغلّبين عليها، كما نذكره إن شاء الله تعالى.