للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبل الزاب، ففضّوا جمعه وأوقعوا به واستلحموا جنوده، واستمرّ القتل فيهم، وبقيت عظامهم ماثلة بمصارعهم سنين.

ورجع الأمير أبو زكريا إلى بجاية فانحصر بها وهلك على تفيئة ذلك على رأس المائة السابعة. وقارن ذلك مغاضبة بينه وبين أمير الزواودة لعهده عثمان بن سبّاع بن يحيى ابن دريد بن مسعود البلط، فوفد على السلطان أخريات إحدى وسبعمائة، ورغّبه في ملك بجاية. واستمدّه للسير إليها، فأوعز إلى أخيه الأمير أبي يحيى بمكانه من منازلة مغراوة ومليكش والثعالبة، بأن ينهض إلى أعمال الموحّدين. وسار عثمان بن سبّاع وقومه بين يدي العساكر يتقصّون الطريق إلى أن تجاوز الأمير أبو يحيى بعساكره بجاية، واحتل بتاكرارت من أوطان سدويكش من أعمال بجاية. وأطلّ على بلاد سدويكش وانكفأ راجعا، فأوطأ عساكره ساحة بجاية وبها الأمير خالد بن يحيى، وناشبهم القتال بعض أيام، جلا فيها أولياء السلطان أبي البقاء عن أنفسهم وسلطانهم. وأمر بروض السلطان المسمّى بالبديع فخرّبه، وكان من آنق الرياض وأحفلها. وقفل إلى مكانه من تدويخ البلاد، وأعرض عن أعمال الموحّدين. وكان صاحب تونس لذلك العهد محمد بن المستنصر الملقّب بأبي عصيدة بن يحيى الواثق، فأوفد على السلطان شيخ الموحدين بدولته محمد بن أكمازير عاقدا أسباب الولاية، ومحكما مذاهب الوصلة، ومقرّرا سوابق السلف. فوفد في مشيخة من قومه لشعبان سنة ثلاث وسبعمائة. وناغاه الأمير أبو البقاء خالد صاحب بجاية، وأوفد مشيخة من أهل دولته كذلك. وبرّ السلطان وفادتهم وأحسن منقلبهم.

ثم عاد ابن أكمازير سنة أربع وسبعمائة، ومعه شيخ الموحدين وصاحب السلطان أبو عبد الله بن يزريكن في وفد من عظماء الموحدين، وأوفد صاحب بجابة حاجبه أبا محمد الرخامي، وشيخ الموحّدين بدولته عيّاد بن سعيد بن عثيمن. ووفدوا جميعا على السلطان ثالث جمادى، فأحسن السلطان في تكرمتهم ما شاء، ووصلهم إلى نفسه بمساكن داره وأراهم أريكة [١] ملكه وأطافهم قصوره ورياضه بعد أن فرشت ونمّقت، فملأ قلوبهم جلالا وعظمة، ثم بعثهم إلى المغرب ليطوفوا على قصور الملك بفاس ومراكش، ويشاهدوا آثار سلفهم، وأوعز إلى عمّال المغرب بالاستبلاغ في


[١] وفي نسخة ثانية: أبهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>