بجاية بين القبائل من برابرتها الكتاميين في مواطن بني ورياكل منذ أوّل دولة الموحدين، وأقطعوهم على العسكرة معهم، ولما ضعفت جنود الموحّدين وقلّ عددهم انفردوا بالعسكرة مع السلطان، وصار لهم بذلك اعتزاز وزبون على الدولة.
وكان الأمير أبو عبد الله هذا قد أصاب منهم لأوّل أمره، وقتل محمد بن تميم من أكابر مشيختهم، وكان صاحبه فارح مولى ابن سيّد الناس عريفا عليه من عهد أبيه الأمير أبي زكريا، وكان مستبدّا على المولى أبي عبد الله، فلما نزل عن إمارته للسلطان أبي عنان سخط ذلك ونقمه عليه، وأسرّها في نفسه ولم يبدها لكماله، وسرّحه أميره مع عمر بن علي الوطاسي لينقل حرمه ومتاعه وماعون داره، فوصل إليها وشكا إليه الصنهاجيون مغبّة أمرهم في ثقل الوطأة وسوء الملكة فأشكاهم ودعاهم إلى الثّورة ببني مرين، والقيام بدعوة الموحّدين للمولى أبي زيّان صاحب قسنطينة، فأجابوه وتواعدوا بالفتك بعمر بن علي بمجلسه من القصبة. وتولى كبرها منصور بن الحاج من مشيختهم، وباكره بداره على عادة الأمراء، ولما أكبّ عليه ليلثم أطرافه طعنه بخنجره، وفرّ إلى بيته جريحا فولجوا عليه واستلحموه. وثارت الغوغاء من أهل البلد في ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وركب الحاجب فارح وهتف الهاتف بدعوة المولى أبي زيد صاحب قسنطينة، وطيروا بالخبر واستدعوه، فتثاقل عن إجابتهم، وبعث مولى ابن المعلوجي للقيام بأمرهم.
وبلغ الخبر إلى السلطان فاتّهم المولى أبا عبد الله بمداخلة حاجبة، فاعتقله بداره.
واعتقل وفدا من ملاء بجاية كان ببابه، وثبتت آراء المشيخة من أهل بجاية، وتمشّت رجالاتهم وأولو الرأي والشورى منهم في الفتك بصنهاجة والعلج، وداخلهم القائد هلال مولى ابن سيّد الناس من المعلوجي، وعلي بن محمد بن ألميت حاجب الأمير أبي زكريا يحيى، ومحمد ابن الحاجب أبي عبد الله بن سيّد الناس وتواعدوا للفتك بفارح يوم وصول النائب من قبل صاحب قسنطينة، فجهروا بالنكير على الحاجب، ودعوه إلى المسجد ليؤامروه. ونذر بأمرهم فاعتدّ دار شيخ الفتيا أحمد بن إدريس فاقتحموا عليه الدار، وباشره مولاه محمد بن سيّد الناس، فطعنه وأشواه، ورمي بشلوه من سقف الدار، وقطع رأسه، فبعثوا به إلى السلطان، وفرّ منصور بن الحاج وقومه صنهاجة من البلد، وكان بالمرسي أحمد بن سعيد القرموني من خاصّة السلطان، جاء في السفن لبعض حاجاته من تونس، ووافى مرسي بجاية يومئذ فأنزلوه