القضاء متعاقبين أيام بني عبد الواد وأيام السلطان أبي الحسن. وتعصّب على بن أبي عمرو أيام قضائه جماعة من مشيخة البلد، وسعوا به إلى السلطان أبي الحسن، وتظلّموا فأشكاهم على علم ببراءته، واختصّه بتأديب ولده فارس هذا وتعليمه، فأفرغ وسعه في ذلك وربّى ولده محمدا هذا الحاجب مع السلطان أبي عنان توأما وخليلا وألقى عليه محبته حتى إذا خلص له الملك رفع رتبة محمد بن أبي عمرو هذا، ورقاه من منزلة إلى أخرى حتى إذا أربى به على سائر المراتب، وجعل إليه العلامة والقيادة والحجابة والسفارة وديوان الجند والحساب والقهرمة وسائر ألقاب دولته، وخصوصيات داره، فانصرفت إليه الوجوه، ووقفت ببابه الأشراف من الأعياص والقبائل والشرفاء والعلماء، وسرّب إليه العمّال أموال الجباية تزلفا، وطال أمره واستيلاؤه على السلطان ونفس عليه رجال الدولة ووزراؤها ما آتاه الله من الحظ، حتى إذا خلا لهم وجه السلطان منه عند نهوضه إلى بجاية، حامت أغراض السعاية على مكانه فقرطست وألقى السلطان أذنه إلى استماعها. فلمّا رجع من بجاية، وكانت له الدالّة على السلطان، وجدّ عليه في قبول الألاقي. ولقيه مغاضبا فتنكّر له السلطان، ثم تجنّى بطلب الغيبة عن الدولة، ويعقد له على بجاية متوهّما أنّ السلطان ضنين به، فبادر السلطان إلى إسعافه، وبدا له ما لم يحتسب من الأعراض عنه.
ورجع إلى الرغبة في الإقالة فلم يسعف. وعقد له على حرب قسنطينة وحكّمه في المال والجيش، وارتحل في شعبان من سنة أربع وخمسين وسبعمائة واحتل ببجاية آخرها وأشتى بها.
ونصب الموحدون تاشفين ابن السلطان أبي الحسن المعتقل عندهم من لدن عهد المولى الفضل واعتقاله إيّاه، فنصّبوه للأمر لتفريق كلمة بني مرين وجمعوا له الآلة والفساطيط، وقام بأمره ميمون بن علي لمنافسته مع أخيه يعقوب، وسمع بخبره يعقوب، فأغذّ السير بحاله من بلاد الزاب، وفرّق جمعهم وردّهم على أعقابهم، وأحجزهم بالبلد. ولمّا انصرم الشتاء وقضى منسك الأضحى، عسكر بساحة البلد، واعترض العساكر وأزاح عللهم، وفرّق أعطياتهم، وارتحل إلى منازلة قسنطينة، واجتمع إليه الزواودة بحللهم، وجمع المولى أبو زيد صاحب قسنطينة من كان على دعوته من أحياء بونة وميمون بن علي بن أحمد وشيعته من الزواودة، وعقد عليهم لحاجبه نبيل وسرّحه للقاء ابن أبي عمرو وعساكره، فأوقع بهم الحاجب