للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبكم، وساروا إلى تونس وأخرج الحاجب أبا محمد بن تافراكين سلطانه أبو إسحاق ابن مولانا السلطان أبي يحيى مع أولاد أبي الليل، وجهّز معه العساكر لما أحسّ بقدوم عساكر السلطان. ووصل الأسطول إلى مرسى تونس فقاتلهم يوما أو بعض يوم، وركب الليل إلى المهديّة فتحصّن بها. ودخل أولياء السلطان إلى تونس في رمضان من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وأقاموا بها دعوته. واحتل يحيى بن رحّو بالقصبة، وأنفذ الأوامر، وكتبوا إلى السلطان بالفتح. ونظر السلطان بعد ذلك في أحوال ذلك، وقبض أيدي العرب من رياح عن الإتاوة التي يسمونها الخفارة فارتابوا، وطالبهم بالرهن فأجمعوا على الخلاف. فأرهف لهم حدّه، وتبيّن يعقوب ابن علي أميرهم مكره، فخرج معهم ولحقوا جميعا بالزاب، وارتحل في أثرهم.

وسار يوسف بن مزني عامل الزاب ببعض الطريق أمامه حتى نزل ببسكرة. ثم ارتحل إلى طولقة [١] فتقبّض على مقدّمها عبد الرحمن بن أحمد بإشارة ابن مزني، وخرّب حصون يعقوب بن علي، وأجفلوا إلى القفر أمامه. ورجع عنهم. وحمل له ابن مزني جباية الزاب بعد أن ردّ عامّة معسكره بالقرى من الأدم والحنطة والحملان والعلوفة ثلاث ليال نفذت في ذلك، وكافأه السلطان على صنيعه، فخلع عليه وعلى أهله وولده وأسنى جوائزهم ورجع إلى قسنطينة، واعتزم على الرحلة إلى تونس.

وضاق ذرع العساكر بشأن النفقات والأبعاد في المذهب، وارتكاب الخطر في دخول افريقية، فتمشّت رجالاتهم في الانفضاض عن السلطان. وداخلوا الوزير فارس بن ميمون فوافقهم على ذلك وأذن المشيخة والنقباء لمن تحت أيديهم من القبائل في اللحاق بالمغرب حتى تفردوا، وأنهى إلى السلطان أنّهم تآمروا في قتله. ونصب إدريس بن أبي عثمان بن أبي العلاء للأمر، فأسرّها في نفسه ولم يبدها لهم. ورأى قلّة من معه من العساكر، وعلم بانفضاضهم، فكرّ راجعا إلى المغرب بعد أن ارتحل عن قسنطينة مرحلتين إلى الشرق، وأغذ السير إلى فاس، واحتل بها غرّة ذي الحجة من سنته. وتقبّض يوم دخوله على وزيره فارس بن ميمون، اتهمه بمداخلة بني مرين في شأنه، وقتله رابع أيام التشريق قعصا بالرماح، وتقبّض على مشيخة بني مرين فاستلحمهم وأودع منهم السجن، وبلغ إلى الجهات خبر رجوعه من قسنطينة إلى


[١] مدينة بالمغرب من ناحية الزاب الكبير من صقع الجريد (معجم البلدان) .

<<  <  ج: ص:  >  >>