وسرّح الأمير عبد الرحمن لمدافعتهم كبير دولته يومئذ وابن عمّه عبد الكريم بن عيسى ابن سليمان بن منصور بن أبي مالك، وهو عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق، فخرج في العساكر ومعه منصور مولى الأمير عبد الرحمن، فلقوا عليّ بن عمر فهزموه وأخذوا سواده، ولجأ إلى أزمور. ثم وفد هو وحسّون بن علي إلى السلطان بفاس.
ووقعت أثناء ذلك المراسلة بين السلطانين، وانعقد بينهما الصلح. فأقام علي بن عمر بفاس ورجع حسّون بن علي إلى مكان عمله بأزمور، ثم انتقض ما بين السلطانين ثانيا. وكان عند الأمير عبد الرحمن أخوان من ولد محمد بن يعقوب بن حسّان الصبيحي وهما علي وأحمد، جرثومتا بغي وفساد، وعدا على كبيرهما علي بن يعقوب ابن علي بن حسّان فقتله، واستعدى أخوه موسى عليه السلطان فأعداه. وأذن له في أن يثأر منه بأخيه فيقتله فخرج لذلك أحمد أخو عليّ، وهمّ بقتل موسى، فاستجار موسى بيعقوب بن موسى بن سيّد الناس كبير بني ونكاسن، وصهر الأمير عبد الرحمن. وأقام أياما في جواره، ثم هرب إلى أزمور فلحقه نار الفتنة. ونهض الأمير عبد الرحمن إلى أزمور فلم يطق حسّان بن علي دفاعه فملكها عليه وقتله واستباحها.
وبلغ الخبر إلى السلطان بفاس فنهض في عساكره وانتهى إلى سلا. ورجع الأمير عبد الرحمن إلى مراكش، وسار السلطان في اتباعه حتى نزل بحصن أكمليم من مراكش، وأقام هنالك نحوا من ثلاثة أشهر والقتال يتردّد بينهم. ثم سعى بين السلطانين في الصلح، فاصطلحوا على حدود العمالات أولا، وانكفأ صاحب فاس إلى عمله وبلده. وبعث الحسن بن يحيى بن حسّون الصنهاجيّ عاملا على الثغر بأزمور، فأقام بها، وكان أصله من صنهاجة أهل وطن أزمور، وله سلف في خدمة بني مرين منذ أوّل دولتهم، وكان أبوه يحيى في دولة السلطان أبي الحسن عاملا في الجباية بأزمور وغيرها. وهلك في خدمته بتونس أيام مقام السلطان بها، وترك ولده يستعمل في مثل ذلك، ونزع الحسن هذا منهم إلى الجندية فلبس شارتها وتصرّف في الولاية المناسبة لها. واتصل بخدمة السلطان أبي العبّاس لأوّل بيعته بطنجة. وكان يومئذ عاملا بالقصر الكبير فدخل في دعوته وصار في جملته، وشهد معه الفتح واستعمله في خطط السيف، حتى ولّاه أزمور هذه الولاية فقام بها كما نذكره.
(وأمّا الصبيحيّون) فالخبر عن أوليتهم أنّ جدّهم حسّان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد، جاء مع عبد الله بن كندوز الكمي من بني عبد الواد حين جاء من تونس،