للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضروراتهم ولا يفضل ما يتأثّلونه كسبا فلا تنمو مكاسبهم. وهم لذلك مساكين محاويج إلّا في الأقلّ النّادر. واعتبر ذلك حتّى في أحوال الفقراء والسّؤّال فإنّ السّائل بفاس أحسن حالا من السّائل بتلمسان أو وهران. ولقد شاهدت بفاس السّؤّال يسألون أيّام الأضاحي أثمان ضحاياهم ورأيتهم يسألون كثيرا من أحوال التّرف واقتراح المآكل مثل سؤال اللحم والسّمن وعلاج الطّبخ والملابس والماعون كالغربال والآنية. ولو سأل سائل مثل هذا بتلمسان أو وهران لاستنكر وعنّف وزجر. ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من التّرف والغنى في عوائدهم ما يقضى [١] منه العجب حتّى أنّ كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون من الثّقلة إلى مصر لذلك ولما يبلغهم من شأن الرّفه بمصر أعظم من غيرها. ويعتقد العامّة من النّاس أنّ ذلك لزيادة إيثار في أهل تلك الآفاق على غيرهم أو أموال مختزنة لديهم [٢] . وأنّهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار وليس كذلك وإنّما هو لما تعرفه من أنّ عمران مصر والقاهرة أكثر من عمران هذه الأمصار الّتي لديك فعظمت لذلك أحوالهم. وأمّا حال الدّخل والخرج فمتكافئ في جميع الأمصار ومتى عظم الدّخل عظم الخرج وبالعكس ومتى عظم الدّخل والخرج اتّسعت أحوال السّاكن ووسع المصر. كلّ شيء يبلغك من مثل هذا فلا تنكره واعتبره بكثرة العمران وما يكون عنه من كثرة المكاسبة الّتي يسهل بسببها البذل والإيثار على مبتغيه ومثّله بشأن الحيوانات العجم مع بيوت المدينة الواحدة وكيف تختلف أحوالها في هجرانها أو غشيانها فإنّ بيوت أهل النّعم والثّروة والموائد الخصبة [٣] منها تكثر بساحتها وأقنيتها بنثر الحبوب وسواقط الفتات فيزدحم عليها غواشي النّمل والخشاش ويلحق فوقها عصائب الطّيور حتّى تروح بطانا وتمتلئ شبعا وريّا وبيوت أهل الخصاصة والفقراء الكاسدة أرزاقهم


[١] وفي نسخة أخرى: ما نقضي.
[٢] وفي النسخة الباريسية: لطموا الأموال في تلك الآفاق، وإن الأموال مختزنة لديهم.
[٣] وفي النسخة الباريسية: الخصيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>