وافترقت عساكر المسلمين، ارتحل السلطان ابن الأحمر إلى غرناطة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وقد قعدوا له بمرصد من طريقه. ونمي الخبر إليه، فدعا بأسطوله لركوب البحر إلى مالقة، واستبق إليهم الخبر بذلك، فتبادروا إليه ولقوة بطريقة من ساحل اصطبونة، فلاحوه وعاتبوه في شأن صنيعته عاصم من معلوجيه، وحاجّهم عنه، فاعتوروا عاصما بالرماح فنكر ذلك عليهم، فألحقوه به، وخرّ صريعا عن مركوبة، وبعثوا إلى أخيه يوسف فأعطوه بيعتهم، وصفقة أيمانهم، ورجعوا به إلى غرناطة وهو حذر منهم لفعلتهم التي فعلوا. واستمرّت الحال على ذلك. ولما استكمل السلطان أبو الحسن فتح تلمسان وصرف عزائمه إلى الجهاد داخل ابن الأحمر في إزاحتهم عن الأندلس مكان جهاده، فصادف منه إسعافا وقبولا وحرصا على ذلك، وتقبّض على أبي ثابت وإخوته إدريس ومنصور وسلطان. وفرّ أخوهم سليمان فلحق بالطاغية، وكان له في يوم طريف أثر في الإيقام بالمسلمين، ولما تقبّض ابن الأحمر على أبي ثابت وإخوته، أودعهم جميعا المطبق أياما، ثم غرّبهم إلى إفريقية، فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبي يحيى. وأوعز إليه السلطان أبو الحسن بالتوثق منهم أن يتصلوا بنواحي المغرب، ويخالفوه إليها أيام شغله بالجهاد في الأندلس، فاعتقلهم وأوفد أبا محمد بن تافراكين إلى سدّة السلطان أبي الحسن إليه شفيعا فيهم، فتقبّل شفاعته وأحسن نزلهم وكرامتهم، حتى إذا احتلّ بسبتة أيام حصار الجزيرة في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة سعى بهم عنده، فتقبّض عليهم واعتقلهم بمكناسة. ولما انتزى ابنه الأمير أبو عنان على الأمر. وهزم منصور ابن أخيه أبي مالك صاحب فاس، ونازلة بالبلد الجديد، بعث فيهم إلى مكناسة، فأطلقهم من الاعتقال وأفاض فيهم الإحسان، واستظهر على شأنه. وأحلّ ابا ثابت محل الشورى من مجلسه، وداخل إدريس أخاه في المكر بالبلد الجديد، فنزع إليها ومكر بهم، وثار عليهم إلى أن نزلوا على حكم السلطان أبي عنان، فعقد لأبي ثابت على سبتة وبلاد الريف ليشارف منها الأندلس محل إمارته. وأطلق يده في المال والجيش، وفصل لذلك، فهلك بالطاعون يومئذ سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمعسكره إزاء معسكر السلطان من حصار البلد الجديد. واستقرّ إخوانه في إيالة السلطان أبي عنان بالمغرب الأقصى إلى أن كان من مفرّ أخيه إدريس وولايته على الغزاة بالأندلس، ما نذكره إن شاء الله تعالى.