للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن البيوعات لما يمسّهم [١] . وبذلك كانت الأسعار في الأمصار أغلى من الأسعار في البادية إذ المكوس والمغارم والفرائض قليلة لديهم أو معدومة. وكثرتها [٢] في الأنصار لا سيّما في آخر الدّولة وقد تدخل أيضا في قيمة الأقوات قيمة علاجها في الفلح ويحافظ على ذلك في أسعارها كما وقع بالأندلس لهذا العهد. وذلك أنّهم لمّا ألجأهم النّصارى إلى سيف البحر وبلاده المتوعّرة الخبيثة الزّارعة النّكدة النّبات وملكوا عليهم الأرض الزّاكية والبلد الطّيب فاحتاجوا إلى علاج المزارع والفدن لإصلاح نباتها وفلحها وكان ذلك العلاج بأعمال ذات قيم وموادّ من الزّبل وغيره لها مؤنة وصارت في فلحهم نفقات لها خطر فاعتبروها في سعرهم. واختصّ قطر الأندلس بالغلاء منذ اضطرّهم النّصارى إلى هذا المعمور بالإسلام مع سواحلها لأجل ذلك. ويحسب النّاس إذا سمعوا بغلاء الأسعار في قطرهم أنّها لقلّة الأقوات والحبوب في أرضهم وليس كذلك فهم أكثر أهل المعمور فلحا فيما علمناه وأقومهم عليه وقلّ أن يخلو منهم سلطان أو سوقة عن فدّان أو مزرعة أو فلح إلّا قليلا من أهل الصّناعات والمهن أو الطّراء على الوطن من الغزاة المجاهدين. ولهذا يختصّهم السّلطان في عطائهم بالعولة وهي أقواتهم وعلوفاتهم من الزّرع. وإنّما السّبب في غلاء سعر الحبوب عندهم ما ذكرناه. ولمّا كانت بلاد البربر بالعكس من ذلك في زكاء منابتهم وطيب أرضهم ارتفعت عنهم المؤن جملة في الفلح مع كثرته وعمومته [٣] فصار ذلك سببا لرخص الأقوات ببلدهم «والله مقدّر اللّيل والنّهار وهو الواحد القهّار لا ربّ سواه» .


[١] وفي نسخة أخرى: وأبواب أخرى: وأبواب المصر وللجباه في منافع يفرضونها على البياعات لأنفسهم.
[٢] وفي نسخة أخرى: وبالعكس كثيرة.
[٣] وفي نسخة أخرى: عمومه.

<<  <  ج: ص:  >  >>