بالأندلس، وسيّد أهل العلم بإطلاق، والمتفنّن في أساليب المعارف، وآداب الصحابة للملوك فمن دونهم، فوفدوا به على السلطان شفيعين على عظيم تشوّفه للقائهما، فقبلت الشفاعة وأنجحت الوسيلة.
حضرت بمجلس السلطان يوم وفادتهما سنة سبع وخمسين وسبعمائة وكان يوما مشهودا. واستقرّ القاضي المغربي في مكان بباب السلطان عطلا من الولاية والجراية. وجرت عليه بعد ذلك محنة من السلطان وقعت بينه وبين أقاربه، امتنع من الحضور معهم عند القاضي الفشتالي، فتقدّم السلطان إلى بعض أكابر الوزعة ببابه أن يسحبه إلى مجلس القاضي حتى ينفذ فيه حكمه، فكان الناس يعدّونها محنة، ثم ولّاه السلطان بعد ذلك قضاء العساكر في دولته، عند ما ارتحل إلى قسنطينة. فلما افتتحها وعاد إلى دار ملكه بفاس آخر ثمان وخمسين وسبعمائة اعتلّ القاضي المغربي في طريقه، وهلك عند قدومه بفاس.
(ومنهم صاحبنا) الإمام العالم القدوة [١] ، فارس المعقول والمنقول، وصاحب الفروع والأصول، أبو عبد الله محمد بن أحمد الشريف الحسني، ويعرف بالعلوي نسبة إلى قرية من أعمال تلمسان، تسمّى العلوين، فكان أهل بلده لا يدافعون في نسبهم. وربّما يغمز فيه بعض الفجرة ممن لا يروعه دينه ولا معرفته بالأنساب ببعض من اللغو، لا يلتفت إليه، نشأ هذا الرجل بتلمسان وأخذ العلم عن مشيختها، واختص بأولاد الإمام وتفقّه عليهما في الفقه والأصول والكلام، ثم لزم شيخنا أبا عبد الله الأبلي وتضلّع من معارفه، فاستبحر وتفجّرت ينابيع العلوم من مداركه. ثم ارتحل إلى تونس في بعض مذاهبه سنة أربعين وسبعمائة ولقي شيخنا القاضي أبا عبد الله ابن عبد السلام وحضر مجلسه وأفاد منه، واستعظم رتبته في العلم. وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله ويعرف حقّه حتى لقد زعموا أنه كان يخلو به في بيته، فيقرأ عليه فصل التصوّف من كتاب الإشارات لابن سينا، لما كان هو أحكم ذلك الكتاب على شيخنا الأبلّي وقرأ عليه كثيرا من كتاب الشفاء لابن سينا، ومن تلاخيص كتب أرسطو لابن رشد، ومن الحساب والهندسة والفرائض علاوة على ما كان يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة، وكانت له في كتب الخلافيات يد