للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العزم، ووقع منه الإسعاف والبرّ والألطاف. وركبت البحر من مرسى المريّة، منتصف ست وستين وسبعمائة ونزلت بجاية لخامسة من الإقلاع، فاحتفل السلطان صاحب بجاية لقدومي، وأركب للقائي، وتهافت أهل البلد عليّ من كل أوب يمسحون أعطافي، ويقبّلون يديّ، وكان يوما مشهودا.

ثم وصلت إلى السلطان فحيّا وفدّى، وخلع وحمل، وأصبحت من الغد، وقد أمر السلطان أهل الدولة بمباكرة بابي، واستقللت بحمل ملكه، واستفرغت جهدي في سياسة أموره وتدبير سلطانه، وقدّمني للخطابة بجامع القصبة وأنا مع ذلك، عاكف بعد انصرافي من تدبير الملك غدوة، إلى تدريس العلم أثناء النهار بجامع القصبة، لا أنفكّ عن ذلك.

ووجدت بينه وبين ابن عمّه السلطان أبي العبّاس صاحب قسنطينة فتنة، أحدثتها المشاحّة في حدود الأعمال من الرعايا والعمّال، وشبّت نار هذه الفتنة بعرب أوطانهم من الزواودة من رياح، تنفيقا لسوق الزبون يميرون [١] به أموالهم، فكانوا في أهمّ شقة بجمع بعضهم لبعض فالتقو سنة ست وستين وسبعمائة بفدحيوه [٢] ، وانقسم العرب عليهما، وكان يعقوب بن علي مع السلطان أبي العبّاس، فانهزم السلطان أبو عبد الله ورجع إلى بجاية مفلولا بعد أن كنت جمعت له أموالا كثيرة أنفق جميعها في العرب، ولمّا رجع وأعوزته النفقة، خرجت بنفسي إلى قبائل البربر بالجبال [٣] الممتنعين من المغارم منذ سنين، فدخلت بلادهم واستبحت حماهم، وأخذت رهنهم على الطاعة، حتى استوفيت منهم الجباية، وكان لنا في ذلك مدد وإعانة. ثم بعث صاحب تلمسان إلى السلطان يطلب منه الصّهر، فأسعفه بذلك ليصل يده به على ابن عمّه، وزوّجه ابنته، ثم نهض السلطان أبو العبّاس سنة سبع وستين وسبعمائة وجاس أوطان بجاية، وكاتب أهل البلد، وكانوا وجلين من السلطان أبي عبد الله لما كان يرهف الحدّ لهم، ويشدّ وطأته عليهم، فأجابوه إلى الانحراف عنه. وخرج الشيخ أبو عبد الله يروم مدافعته، ونزل جبل إيزو معتصما به، فبيّته السلطان أبو العبّاس في عساكره وجموع الأعراب من أولاد محمد من رياح بمكانه ذلك،


[١] وفي نسخة ثانية: يمترون به أموالهم: أي يستخرجونها.
[٢] وفي نسخة ثانية: بفرجيوة.
[٣] وفي نسخة ثانية: الى قبائل البربر بجبال بجاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>