للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسواد العامّة وينزل مكانهم حاميتها وأشياعها من يشتدّ به المصر وإذا ذهب من المصر أعيانهم على طبقاتهم نقص ساكنه وهو معنى اختلال عمرانه. ثمّ لا بدّ من أن يستجدّ عمران آخر في ظلّ الدّولة الجديدة وتحصل فيه حضارة أخرى على قدر الدّولة. وإنّما ذلك بمثابة (من له بيت على أوصاف مخصوصة فأظهر من قدرته على تغيير تلك الأوصاف) [١] وإعادة بنائها على ما يختاره ويقترحه فيخرّب ذلك البيت ثمّ يعيد بناءه ثانيا. وقد وقع من ذلك كثير في الأمصار الّتي هي كراسيّ للملك وشاهدناه وعلمناه «وَالله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ٧٣: ٢٠» . والسّبب الطّبيعيّ الأوّل في ذلك على الجملة أنّ الدّولة والملك للعمران بمثابة الصّورة للمادّة وهو الشّكل الحافظ بنوعه لوجودها. وقد تقرّر في علوم الحكمة أنّه لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر. فالدّولة دون العمران لا تتصوّر والعمران دون الدّولة والملك متعذّر لما في طباع البشر من العدوان [٢] الدّاعي إلى الوازع فتتعيّن السّياسة لذلك إمّا الشّرعيّة أو الملكيّة وهو معنى الدّولة وإذا كانا لا ينفكّان فاختلال أحدهما مؤثّر في اختلال الآخر كما أنّ عدمه مؤثّر في عدمه والخلل العظيم إنّما يكون من خلل الدّولة الكلّيّة مثل دولة الرّوم أو الفرس أو العرب على العموم أو بني أميّة أو بني العبّاس كذلك. وأمّا الدّولة الشّخصيّة مثل دولة أنوشروان أو هرقل أو عبد الملك بن مروان أو الرّشيد فأشخاصها متعاقبة على العمران حافظة لوجوده وبقائه وقريبة الشّبه بعضها من بعض فلا تؤثّر كثير اختلال لأنّ الدّولة بالحقيقة الفاعلة في مادّة العمران إنّما هي العصبيّة والشّوكة وهي مستمرّة على أشخاص الدّولة فإذا ذهبت تلك العصبيّة ودفعتها عصبيّة أخرى مؤثّرة في العمران ذهبت أهل الشّوكة بأجمعهم وعظم الخلل كما قرّرناه أوّلا «والله سبحانه وتعالى أعلم» [٣]


[١] وفي نسخة أخرى وردت الجملة كما يلي: «من يملك بيتا داخلة البلى. والكثير من أوضاعه في بيوته ومرافقه لا توافق مقترحة وله قدرة على أوصاف مخصوصة على تغيير تلك الأوضاع» .
[٢] وفي النسخة الباريسية (من التعاون
[٣] وفي نسخة أخرى: والله قادر على ما يشاء. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ ١٤: ١٩- ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>