للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضا ممّا تحصل بالنّسب. وأهل الأمصار كثير منهم ملتحمون بالصّهر يجذب بعضهم بعضا إلى أن يكونوا لحما لحما وقرابة قرابة وتجد بينهم من العداوة والصّداقة ما يكون بين القبائل والعشائر مثله فيفترقون شيعا [١] وعصائب فإذا نزل الهرم بالدّولة وتقلّص ظلّ الدّولة [٢] عن القاصية احتاج أهل أمصارها إلى القيام على أمرهم والنّظر في حماية بلدهم ورجعوا إلى الشّورى وتميّز العلية عن السّفلة والنّفوس بطباعها متطاولة إلى الغلب والرّئاسة فتطمح المشيخة لخلاء الجوّ من السّلطان والدّولة القاهرة إلى الاستبداد وينازع كلّ صاحبه ويستوصلون بالأتباع من الموالي والشّيع والأحلاف ويبذلون ما في أيديهم للأوغاد والأوشاب فيعصوصب كلّ لصاحبه ويتعيّن الغلب لبعضهم فيعطف على أكفائه ليقصّ من أعنّتهم ويتتبّعهم بالقتل أو التّغريب حتّى يخضد منهم الشّوكات النّافذة ويقلّم الأظفار الخادشة ويستبدّ بمصره أجمع ويرى أنّه قد استحدث ملكا يورثه عقبه فيحدث في ذلك الملك الأصغر ما يحدث في الملك الأعظم من عوارض الجدّة والهرم وربّما يسمو بعض هؤلاء إلى منازع الملوك الأعاظم أصحاب القبائل والعشائر والعصبيّات والزّحوف والحروب والأقطار والممالك فينتحلون بها من الجلوس على السّرير واتّخاذ الآلة وإعداد المواكب للسّير في أقطار البلد والتّختّم والتّحيّة والخطاب بالتّهويل ما يسخر منه من يشاهد أحوالهم لما انتحلوه من شارات الملك الّتي ليسوا لها بأهل. إنّما دفعهم إلى ذلك تقلّص الدّولة والتحام بعض القرابات حتّى صارت عصبيّة. وقد يتنزّه بعضهم عن ذلك ويجري على مذهب [٣] السّذاجة فرارا من التّعريض بنفسه للسّخريّة والعبث. وقد وقع هذا بإفريقيّة لهذا العهد في آخر الدّولة الحفصيّة لأهل بلاد الجريد من طرابلس وقابس وتؤزّر ونفطة وقفصة وبسكرة والزّاب وما إلى ذلك. سموا إلى مثلها عند


[١] وفي النسخة الباريسية: شعبا.
[٢] وفي النسخة الباريسية: وتقلص الملك عن القاصية.
[٣] وفي نسخة أخرى: مذاهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>