للوجود وللملك. وكلّها موادّ له والصّورة مقدّمة على المادّة والدّين إنّما يستفاد من الشّريعة وهي بلسان العرب لما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عربيّ فوجب هجر ما سوى اللّسان العربيّ من الألسن في جميع ممالكها. واعتبر ذلك في نهي عمر رضي الله عنه عن بطانة [١] الأعاجم وقال إنّها خبّ. أي مكر وخديعة. فلمّا هجر الدّين اللّغات الأعجميّة وكان لسان القائمين بالدّولة الإسلاميّة عربيّا هجرت كلّها في جميع ممالكها لأنّ النّاس تبع للسّلطان وعلى دينه فصار استعمال اللّسان العربيّ من شعائر الإسلام وطاعة العرب. وهجر الأمم لغاتهم وألسنتهم في جميع الأمصار والممالك. وصار اللّسان العربيّ لسانهم حتّى رسخ ذلك لغة في جميع أمصارهم ومدنهم وصارت الألسنة العجميّة دخيلة فيها وغريبة. ثمّ فسد اللّسان العربيّ بمخالطتها في بعض أحكامه وتغيّر أواخره وإن كان بقي في الدّلالات على أصله وسمّي لسانا حضريّا في جميع أمصار الإسلام. وأيضا فأكثر أهل الأمصار في الملّة لهذا العهد من أعقاب العرب المالكين لها، الهالكين في ترفها بما كثّروا العجم الّذين كانوا بها وورثوا أرضهم وديارهم. واللّغات متوارثة فبقيت لغة الأعقاب على حيال لغة الآباء وإن فسدت أحكامها بمخالطة الأعجام شيئا فشيئا. وسمّيت لغتهم حضريّة منسوبة إلى أهل الحواضر والأمصار بخلاف لغة البدو من العرب فإنّها كانت أعرق في العروبيّة ولمّا تملّك العجم من الدّيلم والسّلجوقيّة بعدهم بالمشرق، وزناتة والبربر بالمغرب، وصار لهم الملك والاستيلاء على جميع الممالك الإسلاميّة فسد اللّسان العربيّ لذلك وكاد يذهب لولا ما حفظه من عناية المسلمين بالكتاب والسّنّة اللّذين بهما حفظ الدّين وسار ذلك مرجّحا لبقاء اللّغة العربيّة المضريّة من الشّعر والكلام إلّا قليلا بالأمصار فلمّا ملك التّتر والمغول بالمشرق ولم يكونوا على دين الإسلام ذهب ذلك المرجّح وفسدت اللّغة العربيّة على الإطلاق ولم يبق لها رسم في الممالك الإسلاميّة بالعراق وخراسان
[١] وفي نسخة أخرى: رطانة (وهي الأصح مع مقتضى سياق الجملة) .