للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبرانيون، والسريانيّون، وهم النّبط، وكانت لهم الدّولة العظيمة، وهم ملوك بابل، من نبيط بن أشّور بن سام، وقيل نبيط بن ماش بن إرم، وهم ملوك الأرض بعد الطوفان على ما قاله المسعودي. وغلبهم الفرس على بابل، وما كان في أيديهم من الأرض، وكانت يومئذ في العالم دولتان عظيمتان، لملوك بابل هؤلاء، وللقبط بمصر: هذه في المغرب، والأخرى في المشرق، وكانوا ينتحلون الأعمال السحريّة، ويعوّلون عليها في كثير من أعمالهم، وبرابي مصر [١] ، وفلاحة ابن وحشية، يشهدان بذلك. فلما غلب الفرس على بابل، استقلّ لهم ملك المشرق، وجاء موسى- صلوات الله عليه- بالشريعة الأوليّة، وحرّم السّحر وطرقه، وغلب الله له القبط بإغراق فرعون وقومه، ثم ملك بنو إسرائيل الشّام، واختطوا بيت المقدس، وظهر الروم في ناحية الشمال والمغرب، فغلبوا الفرس الأولى على ملكهم. وملك ذو القرنين الإسكندر ما كان بأيديهم، ثم صار ملك الفرس بالمشرق إلى ملوكهم السّاسانية، وملك بني يونان بالشام والمغرب إلى القياصرة، كما ذكرنا ذلك كلّه من قبل. وأصبحت الدولتان عظيمتين، وانتظمتا العالم بما فيه. ونازع الترك ملوك فارس في خراسان [٢] ، وما وراء النّهر [٣] ، وكانت بينهم حروب مشهورة، واستقرّ ملكهم في بني أفراسياب، ثم ظهر خاتم الأنبياء محمّد صلوات الله عليه، وجمع العرب على كلمة الإسلام، فاجتمعوا له، «لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم» [٤] ، وقبضه الله اليه، وقد أمر بالجهاد، ووعد عن الله بأن الأرض لأمته، فزحفوا إلى كسرى، وقيصر بعد سنتين من وفاته، فانتزعوا الملك من أيديهما، وتجاوزوا الفرس إلى التّرك، والرّوم إلى البربر والمغرب، وأصبح العالم كلّه منتظما في دعوة الإسلام. ثم اختلف أهل الدّين من بعده في رجوعهم إلى من ينظم أمرهم، وتشيّع قوم من العرب فزعموا أنه


[١] كان القدماء يعتقدون ان الرسوم التي توجد على البرابي، والمعابد المصرية القديمة، ليست الا طلاسم، وأوفاقا، نقشت على جدرانها ليكون لها مفعول سحري معين: خطط المقريزي ١/ ٤٨ طبع مصر، معجم البلدان «برابي» .
[٢] تطلق خراسان اليوم على القسم الشرقي لايران، الّذي يتصل بافغانستان. وقد فتحت خراسان سنة ٣١ هجرية في أيام عثمان رضي الله عنه. (معجم البلدان) .
[٣] ما وراء النهر: إقليم مشهور يقع فيما وراء نهر جيحون «وهو المراد بالنهر» . (معجم البلدان) .
[٤] الآية ٦٣ من سورة الأنفال.
ابن خلدون م ٤٦ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>