للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متميّزا عن سائر الحيوانات بخواصّ اختصّ بها فمنها العلوم والصّنائع الّتي هي نتيجة الفكر الّذي تميّز به عن الحيوانات وشرّف بوصفه على المخلوقات ومنها الحاجة إلى الحكم الوازع والسّلطان القاهر إذ لا يمكن وجوده دون ذلك [١] من بين الحيوانات كلّها إلّا ما يقال عن النّحل والجراد وهذه وإن كان لها مثل ذلك فبطريق إلهاميّ لا بفكر ورويّة ومنها السّعي في المعاش والاعتمال في تحصيله من وجوهه واكتساب أسبابه لما جعل الله من الافتقار إلى الغذاء في حياته وبقائه وهداه إلى التماسه وطلبه قال تعالى: «أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ٢٠: ٥٠» ومنهما العمران وهو التّساكن والتّنازل في مصر [٢] أو حلّة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التّعاون على المعاش كما نبيّنه ومن هذا العمران ما يكون بدويّا وهو الّذي يكون في الضّواحي وفي الجبال وفي الحلل المنتجعة في القفار وأطراف الرّمال ومنه ما يكون حضريّا وهو الّذي بالأمصار والقرى والمدن والمدر [٣] للاعتصام بها والتّحصّن بجدرانها وله في كلّ هذه الأحوال أمور تعرض من حيث الاجتماع عروضا ذاتيّا له فلا جرم انحصر الكلام في هذا الكتاب في ستّة فصول. الأوّل في العمران البشريّ على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض.

والثّاني في العمران البدويّ وذكر القبائل والأمم الوحشيّة. والثّالث في الدّول والخلافة والملك وذكر المراتب السلطانيّة والرّابع في العمران الحضريّ والبلدان والأمصار. والخامس في الصّنائع والمعاش والكسب ووجوهه. والسّادس في العلوم واكتسابها وتعلّمها. وقد قدّمت العمران البدويّ لأنّه سابق على جميعها كما نبيّن لك بعد وكذا تقديم الملك على البلدان والأمصار وأمّا تقديم المعاش فلأنّ المعاش ضروريّ طبيعيّ وتعلّم العلم كماليّ أو حاجيّ والطّبيعيّ أقدم من الكماليّ وجعلت


[١] يظهر أن هنا عبارة ساقطة من جميع النسخ لأن الكلام غير مستقيم. وفي نسخة لجنة البيان العربيّ عبارة بين قوسين وهي: «ولا يشبهه في ذلك» .
[٢] مصرج أمصار. أي البلد أو المدينة.
[٣] المدر. سكان القرى والأمصار والعرب تسمي القرية المدرة (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>