للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مخالفة خطوطهم لأصول الرّسم ليس كما يتخيّل بل لكلّها وجه. يقولون في مثل زيادة الألف في لا أذبحنّه: إنّه تنبيه على أنّ الذّبح لم يقع وفي زيادة الياء في بأييد إنّه تنبيه على كمال القدرة الرّبّانيّة وأمثال ذلك ممّا لا أصل له إلّا التّحكّم المحض. وما حملهم على ذلك إلّا اعتقادهم أنّ في ذلك تنزيها للصّحابة عن توهّم النّقص في قلّة إجادة الخطّ. وحسبوا أنّ الخطّ كمال فنزّهوهم عن نقصه ونسبوا إليهم الكمال بإجادته وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه وذلك ليس بصحيح. واعلم أنّ الخطّ ليس بكمال في حقّهم إذ الخطّ من جملة الصّنائع المدنيّة المعاشيّة كما رأيته فيما مرّ. والكمال في الصّنائع إضافيّ وليس بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذّات في الدّين ولا في الخلال وإنّما يعود على أسباب المعاش وبحسب العمران والتّعاون عليه لأجل دلالته على ما في النّفوس. وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أمّيّا وكان ذلك كمالا في حقّه وبالنّسبة إلى مقامه لشرفه وتنزّهه عن الصّنائع العمليّة الّتي هي أسباب المعاش والعمران كلّها. وليست الأمّيّة كمالا في حقّنا نحن إذ هو منقطع إلى ربّه ونحن متعاونون على الحياة الدّنيا شأن الصّنائع كلّها حتّى العلوم الاصطلاحيّة فإنّ الكمال في حقّه هو تنزّهه عنها جملة بخلافنا.

ثمّ لمّا جاء الملك للعرب وفتحوا الأمصار وملكوا الممالك ونزلوا البصرة والكوفة واحتاجت الدّولة إلى الكتابة استعملوا الخطّ وطلبوا صناعته وتعلّموه وتداولوه فترقّت الإجادة فيه واستحكم وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان إلّا أنّها كانت دون الغاية. والخطّ الكوفيّ معروف الرّسم لهذا العهد. ثمّ انتشر العرب في الأقطار والممالك وافتتحوا إفريقية والأندلس واختطّ بنو العبّاس بغداد وترقّت الخطوط فيها إلى الغاية لمّا استبحرت في العمران وكانت دار الإسلام ومركز الدّولة العربيّة وخالفت أوضاع الخطّ ببغداد أوضاعه بالكوفة، في الميل إلى إجادة الرسوم وجمال الرّونق وحسن الرواء. واستحكمت هذه المخالفة في الأمصار إلى أن رفع رايتها ببغداد عليّ بن مقلة الوزير. ثمّ تلاه في ذلك عليّ بن هلال، الكاتب

<<  <  ج: ص:  >  >>